نظرة على نظام الإثبات

سيغير نظام الإثبات مفهوم التقاضي والقضاء في السعودية، فسوف يُساهم في تسريع إجراءات التقاضي والفصل في الأحكام، ويعزز الثقة في الالتزامات التعاقدية وييسر إثبات التعاملات والتصرفات مما سينعكس على تقليل الخلافات والنزاعات، ويواكب تطورات الحاضر ويستشرق المستقبل.

وباستقراء نظام الإثبات فسوف نلقي الضوء على بعض ما ورد في النظام وذلك فيما يلي:

أولاً: على من يسري نظام الإثبات وماهي حقوق المدعي والمدعى عليه في الإثبات والنفي؟

أوضح نظام الإثبات في مواده الأولى أن سريانه يكون على المعاملات المدنية والتجارية، وأن من حق المدعي إثبات ما يدعيه كما أن للمدعي عليه نفي ذلك الادعاء عملاً بالقاعدة الفقهية: ” البينة على المدعي واليمين على من أنكر” والقاعدة الفقهية: “البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإبقاء الأصل”. وذلك مع اشتراط أن تكون الوقائع التي يُراد إثباتها ذات صلة بموضوع الدعوى.

ثانياً: عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي

أعمل النظام قاعدة عدم جواز حُكم القاضي بعلمه الشخصي وكما هو معلوم فهي قاعدة فقهية وقانونية معروفة، وذلك لأنه بحسب رأي جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية فلا يجوز قضاء القاضي بعلمه الشخصي، لأن ذلك سيجعله في مرتبه الخصم والحكم في آن واحد، فعلم القاضي بمثابة دليل في القضية ومن حق الخصوم مناقشة هذا الدليل، مما يعني نزول القاضي منزلة الخصوم، فحينها يُصبح القاضي خصماً وحكماً في آن واحد، إضافة لما تقدم فإن قضاء القاضي بعلمه أمراً سيخل بقواعد الإثبات الشرعي وهي قواعد لا يجوز أن تُخالف.

ومن أفضل ما قيل في ذلك ما جاء عن د نبيل إسماعيل عمر في كتابه: “قاعدة عدم قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الشريعة الإسلامية وفي التشريعات الوضعي” وبالتحديد صفحة 43 ما يلي:

” القوانين الوضعية بجميع فروعها تعرف هي أيضاً قاعدة أن القاضي لا يحكُم بعلمه ويُقصد بهذه القاعدة ذات المعنى المقصود في الشريعة الإسلامية. وهذا المعنى يتلخص في عدم جواز قيام القاضي بإثارة مسائل واقعية كان يعلمها علماً خاصاً فإذا علم بسرقة أو بعقد من العقود أو معاملة من المعاملات فإنه لا يجوز له القضاء فيها بناء على ما قام لديه من معلومات خاصة فالادعاءات يجب أن يطرحها الخصوم ويقومون بإثباتها، وعلى القاضي أن يُطبق القانون على هذه الادعاءات من تلقاء نفسه، فهو يحكم بعلمه في مسائل القانون، وإنما هذا يُطبق على المسائل التي يطرحها الخصوم على القاضي بمحض إرادتهم.

وهذه القاعدة مُطلقة في النظم الوضعية أياً كان القاضي وأياً كانت طبيعة النزاع المطروح عليه، وذلك لأن مضمون ولاية القضاء واحد في جميع الحالات.”

ثالثاً: تأسس نظام الإثبات على عدد من القواعد الفقهية

تأسس نظام الإثبات الجديد على أربع قواعد فقهية تطرقت إليها (المادة 3) من النظام وهي: ” البينة لإثبات خلاف الظاهر، واليمين لإبقاء الأصل” وقاعدة: ” البينة على من ادعى واليمين على من أنكر” وقاعدة: ” البينة حجة متعدية، واليمين حجة قاصرة ” وقاعدة: ” الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان”، وهي قواعد تندرج من أصول الدين ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر”.

رابعاً: فيما يتعلق بتعارض الأدلة

تطرق النظام لتعارض الأدلة أو تعادلها وأن من حق المحكمة أن تُفاضل بين هذه الأدلة مع إرفاق الأسباب التي جعلتها ترجح دليلاً على آخر.

 ولا يتقيد الخصوم بشكل معين للإثبات وذلك في حال لم يكن هناك نص صريح يقيدهم بذلك، أما إذا اتفقوا على طريقة معينة للإثبات فيجب أن يكون هذا الاتفاق مكتوباً.

خامساً: ما يتصل بالإقرار

اشترط النظام في المُقر أن يكون أهلاً للتصرف فيما أقر به، كما أباح إقرار الصغير المميز المأذون له بالشراء والبيع بالقدر الذي أُذن له فيه، كما أن الإقرار يكون صحيحاً إذا صدر من الولي أو الوصي أو ناظر الوقف ومن في حكمهم بشرط ألا يتخطى حدود الولاية المخولة لهم.

والإقرار يكون بالكتابة أو باللفظ، أو صراحة أو دلالة، وظاهر الحال لا يًقبل به إلا إذا دلت القرائن على كذبه، ومثال على ذلك أنه إذا أقر شخص بقيامه بعمل ما، ولكن اتضح كذبه فيما بعد بالقرائن الظاهرة فلا يؤخذ بإقراره.

وأهم التطبيقات على ذلك ما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود -صلى الله عليه وسلم- فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أَشُقُّهُ بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل! رحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى”.

سادساً: ما يخص الاستجواب

وعن استجواب الخصوم فقد أعطى النظام الحق للخصم أن يستجوب خصمه بشكل مباشر، ولم يجعل ذلك قائماً على موافقة المحكمة أو يتركها لسلطة المحكمة التقديرية، ولكن للمحكمة الحق في منع أي سؤال غير متعلق بالدعوى أو غير منتج فيها أو غير جائز قبوله.

وتمتلك المحكمة سلطة استجواب من يكون حاضراً من الخصوم إما من تلقاء نفسها أو بطلب من أحد الخصوم، والخصم عديم الأهلية أو ناقصها لا يجوز استجوابه، وإنما يستجوب من ينوب عنه.

سابعاً: المحرر الرسمي

صورة المحرر الرسمي يُمكن اعتبارها حجة بذات القدر الذي تتطابق فيه مع أصل المحرر الرسمي، وتكون الصورة رسمية إذا كانت مأخوذة من الأصل وفق إجراءات معلومة تُنظم ذلك، والصورة الرسمية تُعتبر مُطابقة للأصل مالم يطعن في ذلك ذوي الشأن، فإذا طعنوا فإنه يتعين مُطابقتها للأصل.

ومعيار التمييز بين الورقة الرسمية والعُرفية هو الشخص القائم بتحرير الورقة، فإذا كان هذا الشخص موظفاً عاماً فهنا توصف الورقة قانوناً بأنها رسمية، والورقة تكون عرفية إذا قام بتحريرها الأفراد العاديون.

ثامناً: المحرر العرفي

المحرر العادي والعرفي هو الذي يصدره الأفراد بغير مشاركة من الموظف العام في تحريره، ويُعتبر المحرر العرفي صادراً ممن قام بتوقيعه وحجة قانونية عليه إذا لم ينكر صراحة ما نُسب إليه من بصمة أو إمضاء أو ختم أو بكافة طُرق الإنكار.

تاسعاً: الدليل الرقمي

خصص النظام باباً مستقلاً للأدلة الرقمية، وهذا في معناه ومدلوله تحويل الدليل الرقمي إلى دليل أصيل ويُعد ذلك تماشياً مع التطور التكنولوجي، فمن حق من لديه مصلحة أن يتقدم بأدلة رقمية أو إلكترونية تثبت الحق الذي يدعيه، كما أن للمدعى عليه حق الطعن في الدليل الرقمي وإثبات عدم صحته، وقد حدد النظام أنواع الأدلة الرقمية للاستشهاد وهي: السجل الرقمي، والمحرر الرقمي، والتوقيع الرقمي، والمراسلات الرقمية بما فيها البريد الرقمي، ووسائل الاتصال، والوسائط الرقمية، وأي دليل رقمي آخر.

 كما حدد النظام طريقة تقديمها والاستعانة بذوي الخبرة في تقدير مدى قوة الدليل الرقمي، ونشير إلى أن الإثبات الرقمي يأخذ حُكم الإثبات بالكتابة، فالدليل الرقمي الرسمي له ذات الحجية المقررة للمحرر الرسمي في حال أن استوفى الشروط وردت في الفقرة الأولى من (المادة 25) من النظام.

ونظراً لكون الدليل الرقمي يعتمد على التقنية التي بالضرورة ما تكون دائمة التطور، فإن أي مراسلات عبر الماسنجر أو سناب شات أو وسائط البريد الإلكتروني أو الواتس آب أو الإيمو، وكل ما يدخل في نظام وسائل الاتصال يسري عليه النظام.

عاشراً: الشهادة

يجب أن يفصح الشاهد عن طبيعة علاقته بالخصوم في الدعوى وعن أي مصلحة له، وذلك قبل إبدائه لأي شهادة تتعلق بالدعوى، وقنن النظام إمكانية شهادة الموظفين والمكلفين بخدمة عامة وإن تركوا العمل.

حادي عشر: القرائن واستخدام الوسائل العلمية

نظراً للتقدم العلمي والتكنولوجي ودوره في كشف الملتبس وإيضاح الحقائق فقد اعتمد النظام إمكانية اعتماد المحكمة على الوسائل العلمية في استنباط القرائن إذا ما ارتئت ضرورة لذلك.

ثاني عشر: العُرف

أصبح العُرف في نظام الإثبات الجديد حجة تثبت بها الأحكام بين الخصوم، لكن يتعين ألا يكون العرف مخالفاً لما تقضي به الشريعة الإسلامية.

ومن يريد أن يستخدم العرف أو العادة كدليل إثبات في أي واقعة قانونية عبئ إثبات وجود العرف أو العادة وقت الواقعة.

ثالث عشر: لأي نصوص قانون نرجع في الأمور التي لم يرد فيها نص في نظام الإثبات؟

تُطبق على الإجراءات المتعلقة بالإثبات – فيما لم يرد فيه نص في هذا النظام- أحكام نظام المرافعات الشرعية وأحكام نظام المحاكم التجارية، كما أن الأحكام المستخلصة من الشريعة الإسلامية القول الفصل في أحكام الإثبات التي لم يذكرها النظام بثمة نص.

رابع عشر: الاستعانة بالقطاع الخاص

بحسب النظام فإنه يُمكن الاستعانة في عملية الإثبات بالقطاع الخاص.

خامس عشر: سريان النظام وتأثيره على الأنظمة الأخرى

 فور دخول نظام الإثبات حيز النفاذ والسريان فإنه يُلغى بموجبه الباب التاسع من نظام المحاكم التجارية، والباب التاسع من نظام المرافعات الشرعية، وكل ما يتعارض معه يُصبح هو والعدم سواء.

سادس عشر: متى يبدأ تطبيق نظام الإثبات؟

يبدأ العد التنازلي لسريان نظام الإثبات ودخوله حيز النفاذ خلال (180) يوماً من تاريخ نشرة في الجريدة الرسمية، وبالتحديد من يوم الجمعة الموافق 4 جمادي الآخرة 1443 هجرية.

اذهب إلى الأعلى