فكرة نظام التكاليف القضائية هي وضع رسوم على القضايا المقامة أمام المحاكم وكذلك على الطلبات سواء أكانت طلبات التماس أو نقض، وهُناك جملة من القضايا سيكون لها تكاليف تُدفع وجملة أخرى من القضايا ستكون مُستثناه.

وكما هو معلوم فالدول تختلف في منهجها في تنظيم سلوك القضاء، فهُناك دولاً تجعل الدخول إلى المحاكم برسوم قضائية ودولاً أخرى تجعل القضاء مجانياً بالكامل في كافة أنواع وصور الدعاوي، كما أن هناك دولاً تخلط هذا بذاك فتجعل مجموعة من الدعاوى برسوم ومجموعة أخرى من الدعاوى بغير رسوم.

وقد كانت المملكة فيما سبق تعتمد مجانية القضاء بشكل كامل، ولكن بعد صدور نظام التكاليف القضائية فإن النظام القضائي في المملكة يتحول لنظام مجاني بشكل جزئي.

والتكاليف القضائية بحسب النظام هي : ” مبالغ مالية يلتزم المُكلف بدفعها إلى الإدارة المختصة وفقاً لأحكام النظام واللائحة ولا تشمل ما يُطلب منه أثناء سير الدعوى من تكاليف يستلزمها الفصل فيها”.

وفيما يلي سنتناول أهداف نظام التكاليف القضائية ثم أهم أحكامه:

أولاً: أهداف نظام التكاليف القضائية

1. مجابهة الدعاوي الكيدية والصورية

لا تخلو المحاكم من الملتجئين للقضاء بالأساليب السلبية غير المشروعة بالدعاوي الكيدية والصورية، والتي تهدف إما لإبطال حق أو إحقاق باطل، أو الحاق الضرر بالغير، وهي دعاوي تتطلب جهداً قضائياً لكشفها، ويترتب عليها عديد الآثار السلبية على الفرد والمجتمع

ولما كان ذلك فقد عمل المشرع السعودي من خلال مواد نظام التكاليف وخصوصاً (المادة 13) من النظام على الحد من الدعاوي الكيدية والصورية بهدف ردع المعتدين والمتجرئين ولحفظ الحقوق والأموال.

والدعاوي الكيدية من دلائل فجر الخصومة وهي من خصال المنافقين: فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم” نظراً لما يستتبع الدعاوي الكيدية من تشويه السمعة بنشر سيرة سيئة عن المتهم بالإضافة إلى الخسارات المادية والأضرار النفسية والمعنوية.

ويُمكن تعريف الدعوى الكيدية بأنها: مطالبة المدعي غيره بأمر لا حق له فيه، وبغير وجه حق مع علمه بذلك في مجلس القضاء. (1)

والمراد بالدعوى الصورية هي: ما كان ظاهرها الخصومة القضائية، وحقيقتها الحيلة والخداع، بهدف التوصل من إقامة الدعوى إلى أمر غير مشروع. (2)

وتتفق الدعوى الكيدية مع الصورية في أمرين:

الأمر الأول: أن كل منهما دعوى باطلة، الهدف منه هو الوصول لأمر غير مشروع.

الأمر الثاني: فيما يترتب عليهما من آثار، في حال تحققت الكيدية والصورية فيهما، فحينها يتعين على القاضي ردهما، تجنب سماعهما، ومعاقبة المدعي فيهما.

كما أن الدعوى الكيدية تختلف عن الدعوى الصورية في أمرين:

الأمر الأول: الدعوى الصورية ما هي إلا حيلة تحوي اتفاقاً بين المدعي والمدعى عليه بهدف إلحاق الضرر بطرف آخر، بيد أن الغرض من الدعوى الكيدية هو الإساءة وإلحاق الضرر بالمدعي عليه.

الأمر الثاني: يشمل التأديب في الدعوى الصورية المدعى عليه إذا ظهر تواطؤه مع المدعي، أما التأديب في الدعوى الكيدية فيكون على عاتق المدعي فقط.

وقد ساق ابن القيم رحمه الله مثالاً للدعوى الصورية عندما ادعى رجل على غلام لتاجر بدين ألف دينار، واعترف الغلام بالدين في مجلس القاضي دون تردد، وطلب المدعي من القاضي حبس الغلام، فارتاب القاضي منهما، وبعد حضور والد الغلام اتضح أن الدعوى حيلة لكي يحصل الغلام والرجل على الألف دينار.

و (المادة 3) من نظام التكاليف القضائية نصت على فرض تكاليف قضائية على الدعاوي لا تتجاوز قيمتها 5% من قيمة المطالبة وبحد أعلى مليون ريال، وقد حددت اللائحة التنفيذية ما يتعلق بتنظيم ذلك تفصيلاً من (المواد 2 حتى 7 من اللائحة).

ووفقاً (للمادة 13) من النظام فإن التكاليف القضائية  المقررة للدعوى والطلبات المتصلة بها يتحملها الخاسر أو يتحمل قسطاً منها، دون أن يحول ذلك بحق ذوي الشأن في المطالبة بالتعويض المناسب لهم إن كان لهم حق في المطالبة بالتعويض، وقد انتبه النظام في المادة سالفة الذكر لأمر من الأهمية بمكان حيث  أنه إذا كان المدعي غير محق في جزء من طلباته فإنه يتحمل قسط ذلك الجزء، والمثير للإعجاب في تلك الفقرة أنه كما جرت العادة فدوماً ما نجد أن صاحب الحق يُطالب بأكثر من حقه بسوء استعمال للحق الذي يقوي موقفه، فيحاول تضخيم حجم الحقوق التي له أو الأضرار التي لحقت به وما اشتمل على ذلك من مكاسب مهدرة أو أرباح فائتة، وهدفه من ذلك زيادة مبلغ التعويض، وهذا ما تنبه له المشرع السعودي وكان له بالمرصاد.

ومما سبق يُستشف أن التكاليف القضائية المدفوعة تُرد في حال أن حُكم لمصلحة دافع تلك التكاليف.

2. تحقيق العدالة الناجزة وتعزيز الكفاءة القضائية

نظراً للمجانية المطلقة التي كانت تحظى بها المحاكم أو تتميز بها الدعاوى فانعكس ذلك سلباً في سلوك المتقاضين بحيث كثرت وتكدست ساحات المحاكم بعدد كبير من القضايا الوهمية مما انعكس بدوره على ضياع وقت وجهد القضاة ومن ثم تعطلت الكثير من القضايا المهمة أو قلت الدقة وقل التدقيق في النظر إليها، وبالتالي كان لذلك أثراً في تأجيل الحكم في بعض القضايا أو تقليل الكفاءة القضائية، ولكن من إيجابيات نظام التكاليف أنه سيتلافى تلك السلبيات قدر المستطاع وسيحقق عدالة ناجزة، نظير المجال الأوسع والوقت الأرحب الذي سيحظى به القضاة عند الفصل والنظر في القضايا، وسيحقق ذلك في النهاية منظومة عدلية يُشار إليها بالبنان.

كما أن إصدار حاسبة التكاليف القضائية من قبل وزارة العدل سُيساهم في رفع جودة العمل القضائي لأنها ستسهم في معرفة صاحب القضية للتكاليف المتوقعة قبل شروعه في رفع الدعوى.

3. تعزيز وسائل حل النزاعات الودية أو الرضائية

من ميزات نظام التكاليف أن يحث الأطراف المتخاصمين على سلوك طريق الصلح عملاً بما أُنزل في كتاب الله جل وعلا: ” فأعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” وقوله تعالى : ” ولا تجعلوا الله عرضه لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم” والصُلح أمر قرآني وأمر نبوي فهو يخفف العبء عن القضاء، وفيه استغلالاً للوقت وحفظاً للخصوصية، ويعزز وسائل الحوار الذي يسود فيه أجواء الاحترام المتبادل ويحافظ على الروابط الاجتماعية والإنسانية، ومن ثم فالصلح الذي يحرم حراماً أو يحل حلالاً به تسكن النفوس ويزول به الخلاف، ولذلك نص نظام التكاليف على إسقاط التكاليف إذا تم الصلح بين الطرفين قبل الجلسة الأولى أو في حال ترك المدعي دعواه، وكذلك الدعاوي التي تنتهي بالصلح قبل رفع الجلسة الأولى، والهدف من ذلك هو تشجيع المتخاصمين على الصُلح وترغيباً عليه.

كما نصت (المادة 15) من النظام على أن التكاليف القضائية تُخفض إلى الربع أي يسقط 75% من التكاليف القضائية في حال الصُلح أمام المحكمة، وذلك في الحال التي يُكون فيها الصلح بعد انتهاء الجلسة الأولى وقبل الحكم في الدعوى.

ثانياً: أهم أحكام نظام التكاليف القضائية ولائحته التنفيذية

  • ما هي الاستثناءات التي حددها نظام التكاليف القضائية؟

بحسب (المادة 2) من نظام التكاليف فإن أحكام النظام تسري على جميع الدعاوى والطلبات التي تقدم إلى المحاكم، باستثناء ما يلي:

    • الدعاوى الجزائية العامة، والدعاوى التأديبية، والطلبات المتعلقة بها.
    • الدعاوى والطلبات التي تختص بها محاكم الأحوال الشخصية، عدا طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر.
    • الدعاوى والطلبات التي يختص بها ديوان المظالم.
    • الدعاوى والطلبات المتعلقة بدعاوى قسمة التركات، عدا طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر.
    • الدعاوى والطلبات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام الإفلاس.
    • الإنهاءات وما يتعلق بها من طلبات.
  • من هم الأشخاص وما هي الجهات التي لا يُفرض عليهم أو عليها تكاليفاً قضائية؟

هُناك بعض الفئات التي لا يُفرض عليها تكاليفاً قضائية بحسب (المادة 17) من النظام وهم:

    • المسجونون والموقوفون وقت استحقاق التكاليف القضائية في قضايا مالية غير جنائية، في الدعاوى التي تقام سواءً كانت منهم أو عليهم.
    • العمال المشمولون بنظام العمل والمستثنون منه والمستحقون عنهم؛ للمطالبة بمستحقاتهم الناشئة عن عقود عمل.
    • الوزارات والأجهزة الحكومية.

والجدير بالذكر أنه هناك اعتبارات أخرى تتعلق باتفاقيات المملكة والمعاهدات المنضمة لها مع غيرها من الدول والمنظمات ويتعين النظر والرجوع إليها قبل تطبيق نص تلك المادة، للتأكد من صلاحية وقانونية التطبيق.

  • ما هي الدعاوي المشمولة في التكاليف القضائية؟
    • الدعاوي التجارية.
    • الدعاوي العمالية المتعلقة بالشركات.
    • الحق الخاص في الدعاوي الجزائية.
    • الدعاوي الحقوقية.
    • طلبات التنفيذ والمنازعات التنفيذية.
  • ما هي الطلبات المشمولة في التكاليف القضائية؟

بحسب (المادة 7) من النظام فالطلبات التي يشملها النظام هي:

    • طلبات الاستئناف والنقض والتماس إعادة النظر.
    • الطلبات العارضة.
    • طلبات الإدخال من الخصوم.
    • طلبات الرد.
    • طلب أحد الخصوم السير في الدعوى الموقوفة اتفاقاً قبل انتهاء المدة المتفق عليها لوقف الخصومة.
    • طلب تصحيح الحكم أو تفسيره.
    • الطلبات الأخرى التي تحددها اللائحة.

مع العلم أن تلك الطلبات تُفرض عليها تكاليف قضائية بمبلغ لا يزيد على عشرة آلاف ريال، وفقاً للمعايير والضوابط وقواعد التقدير التي تحددها اللائحة.

 هل بالإمكان تأثير أمد التقاضي على التكاليف القضائية؟

أمد التقاضي من غير الممكن أن يؤثر على التكاليف القضائية، فالتكاليف القضائية لا تعتمد إلا على الحكم والطلبات.

  • ما هو التوقيت الذي تُرد فيه التكاليف القضائية المدفوعة؟

الإجابة نجدها في نص (المادة 16) من نظام التكاليف القضائية حيث جاء فيها ما يلي:

تُرد التكاليف القضائية المدفوعة متى تبين عدم وجوبها على دافعها أو استفادته من حالة من حالات الإعفاء، ومن ذلك ما يأتي:

    • إذا حكم لمصلحة دافع التكاليف القضائية.
    • طلب رد القاضي أو القضاة إذا قبل طلب الرد.
    • طلب تصحيح الحكم أو تفسيره إذا قضي بإجابة الطلب.
    • طلب الاستئناف إذا حكم بنقض الحكم المستأنف كليًّا، وإذا نقض الحكم جزئيًّا فيعفى بقدر ذلك الجزء، وطلب النقض إذا قضي فيه بإعادة القضية إلى المحكمة مصدرة الحكم المعترض عليه.
    • إذا ترك المدعي دعواه قبل عقد الجلسة الأولى؛ وفقاً للإجراءات النظامية.
    • الدعاوى التي تنتهي بالصلح قبل رفع الجلسة الأولى.
    • الدعاوى المتعلقة بالحقوق الخاصة التي ترفع بالتبعية للقضايا الجزائية إذا انتهت بالصلح على أي حال كانت فيها الدعوى..
  • ما هو ميعاد تطبيق نظام التكاليف القضائية؟

يكون نظام التكاليف نافذاً وقابلاً للسريان بداية من يوم الخميس الموافق 14/8/1443 هجرية.

  • ما هي الحالات التي لا تُفرض فيها تكاليف جديدة على الدعوى؟

وفق (المادة 10) من النظام فلا تكاليف جديدة تُفرض على الدعوى في الحالتين الآتيتين:

    • إذا حكم بعدم الاختصاص وأقيمت الدعوى أمام المحكمة المختصة.
    • إذا قضت المحكمة المختصة بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه أو إلى محكمة أخرى.
  • ما هي الكيفية التي تُقدر بها التكاليف القضائية للدعوى المحددة القيمة؟

تُحدد على أساس نسبة من قيمة المطالبة فيها وفق وذلك وفق الفقرة الأولى من (المادة 2) من اللائحة التنفيذية كما جاء نصه:

أ- نسبة (٥٪) إذا كانت قيمة المطالبة أقل من مائة ألف ريال.
ب- نسبة (٤٪) إذا كانت قيمة المطالبة مائة ألف ريال فأكثر، وتقل عن خمسمائة ألف ريال.
ج- نسبة (٣٪) إذا كانت قيمة المطالبة خمسمائة ألف ريال فأكثر، وتقل عن مليون ريال.
د- نسبة (٢٪) إذا كانت قيمة المطالبة مليون ريال فأعلى.

  • فما هو المعيار الذي تُحدد على أساسه قيمة المطالبة؟

وفق الفقرة الثانية من (المادة 2) فإنه تُحدد قيمة المطالبة على النحو الآتي:

أ- فيما يتعلق بالدعاوى المالية، تُحدد على أساس المبلغ الذي يطلب المدعي الحكم به.
ب- في الدعاوى المتعلقة بإثبات صحة عقد أو فسخه أو إبطاله أو الإلزام بتنفيذه، تُحدد على أساس قيمة الشيء المتنازع عليه وفقاً لقيمته المحددة في العقد.
ج- في الدعاوى المتعلقة بمنازعات ملكية عقار؛ تُحدد على أساس قيمة العقار عند رفع الدعوى، وتُحدد قيمة العقار بناء على البيانات التاريخية -الموثقة لدى وزارة العدل- لقيمة مبايعات هذا العقار والعقارات المجاورة له، ونحو ذلك من الوسائل الأخرى التي تُمكن الوزارة من تحديد قيمته.

  • كيف تُقدر التكاليف القضائية في الدعاوي غير محددة القيمة؟

وفقاً (للمادة 3) من اللائحة تُقدر كما يلي:

    • الدعاوى الجزائية الخاصة؛ عشرة آلاف ريال.
    • الدعاوى التي تُنظر لدى المحاكم التجارية والدوائر التجارية؛ خمسة آلاف ريال.
    • الدعاوى المستعجلة أيًا كانت المحكمة أو الدائرة التي تنظرها؛ ثلاثة آلاف ريال.
    • الدعاوى التي تُنظر لدى المحاكم العامة؛ ثلاثة آلاف ريال.
    • منازعات التنفيذ؛ ثلاثة آلاف ريال.
    • الدعاوى التي تُنظر لدى المحاكم العمالية والدوائر العمالية؛ ألفا ريال.
  • ما هي كيفية الحساب إذا اشتملت الدعوى على مطالبة محددة القيمة وأخرى غير محددة القيمة؟

في تلك الحالة فإنه تُحتسب تكاليف كل مطالبة بحسب الأحكام الواردة في النظام واللائحة.
…….

المصادر:

  • نظام التكاليف القضائية.

(1) د. خالد بن زيد الوذيناني، بحث مُحكم بعنوان: الدعوى الكيدية، مجلة العدل، العدد 51، رجب 1432 هجرية، ص 191.
(2) آل خنين، عبد الله بن محمد بن سعد: الكاشف في شرح نظام المرافعات الشرعية السعودي، جزء 1، ص 51.
(3) حسن، علي عوض: إجراءات التقاضي الكيدية وطرق مواجهتها (دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1996م) ص 13.