ملف مكافحة الفساد من الملفات التي شهدت تطوراً لا يُمكن إغفاله في السنوات السابقة وذلك بحسب رؤية المملكة لـ 2030 ، وتم على أثر هذا الاهتمام إنشاء هيئة لمكافحة الفساد بهدف تعزيز مبدأ الشفافية ومجابهة الفساد المالي والإداري بجميع صوره، وذلك نظرًا لخطورة الفساد على المملكة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً.

وتختلف أهداف ودوافع الفساد الإداري والمالي فهناك أسباب اجتماعية واقتصادية وهناك أسباب سياسية وهناك أسباب بيئية.

وللفساد الإداري مجموعة من الأضرار السلبية داخل جسد المجتمع، فهي تضر بمصداقية الدولة وأجهزتها المستقلة، كما أنها تعمل على إضعاف التنمية والنمو الاقتصادي، كما أنها تضر بالاستقرار السياسي، ويساهم الفساد كذلك في تدني الأنشطة الخدمية والإنتاجية.

وقد بذلت المملكة العربية السعودية جهوداً مضنية لمكافحة الفساد ومنع انتشاره وملاحقه مرتكبيه فأصدرت عديد الأنظمة والأجهزة المختصة بذلك كديوان المظالم، وهيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المراقبة العامة، والمباحث الإدارية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي الهيئة التي سنتناولها أهم أحكامها ومسؤولياتها وذلك بعد أن نتطرق لتعريف الفساد وبعض أنواع الفساد المتعارف عليه وذلك فيما يلي :

أولاً: تعريف الفساد ومفهومه

الفساد معانيه اللغوية كثيرة فهو يعني التلف والعطب، والاضطراب والخلل، والجدب والقحط، وقال تعالى : ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون “

وقد يكون الفساد بمعنى إلحاق الضرر بالناس وبالأرض كما جاء في قوله تعالى : ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم “.

وقد عرف صندوق النقد الدولي الفساد الإداري بأنه : “سوء استخدام السلطة العامة من أجل مكسب خاص، يتحقق حينما يتقبل الموظف الرسمي رشوة أو يطلبها أو يستجديها أو يبتزها، وقد يكون ذلك مقترناً بسوء استخدامه للسطلة، حينما يقدم رجال الأعمال من القطاع الخاص الرشوة بقصد التحايل على السياسات العامة والقوانين أو اللوائح للحصول على ميزة تنافسية أو ربح أو مزايا شخصية، ويُمكن أن يحدث سوء استغلال السلطة العامة أيضاً من أجل مغنم شخصي حتى ولو لم يحدث تقديم رشوة، وذلك عن طريق محاباة الأقارب أو التوصية بهم أو سرقة موارد وأملاك الدولة أو تبديدها “.[1]

وعرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه :  ” كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته “.[2]

كما هناك من عرف الفساد بأنه : ” السلوك الذي يمارسه المسؤولون في القطاع العام أو القطاع الخاص، سواء كانوا سياسيين أو موظفين مدنيين، بهدف إثراء أنفسهم أو أقربائهم بصورة غير قانونية، ومن خلال إساءة استخدام السلطة الممنوحة لهم”.[3]

ثانياً: بعض أشكال أو أنواع الفساد

  • التزوير :

التزوير هو عبارة عن تغيير في الحقيقة للمستند بطريقة من الطرق التي من شأنها إحداث ضرر،

وجريمة التزوير والتقليد من الجرائم التي كثرت في الأونة الأخيرة وتنبع خطورتها في استهدافها للثقة التي توفرها المستندات والمحررات الرسمية وكما أن وقوعها على النقود يجعلها من كبرى الأخطار التي تهدد الأمن القومي للمملكة.

  • الرشوة :

جريمة الرسوة تعتبر آفة مجتمعية قديمة لا يكاد يخلو أي مجتمع منها ومن آثارها فهي داء خبيث يضرب مبدأ المساواة للمواطنين أمام القانون، ومن ثم فهي تسبب خطر كبير على المجتمعات كافة، فهي جريمة تؤثر على الجرائم وتخل بسير المرافق الحكومية وغير الحكومية وكذلك بالمساواة بين المواطنين، كما أنها تضر بالمصلحة العامة، وتشكل إهداراً للقيم والعادات المتعارف عليها، كما أنها تشكل تهديداً صريحاً لقوة الدولة والنظام.

  • إساءة استخدام السلطة واستغلال النفوذ :

وتعني أن يقوم الموظف العام باستغلال سلطاته الوظيفية المكلف بها وذلك في تحقيق ربح شخصي مادي أو معنوي سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وجريمة استغلال النفوذ تُعامل في المملكة معاملة جريمة الرشوة كما أنها تُعتبر في المملكة بمثابة تعدي على الوظيفة العامة والأموال العامة للدولة.

  • اختلاس المال العام وإهداره :

جريمة اختلاس المال العام من قبل الموظف هي عبارة عن استيلاء على الأموال العامة والتي تعودي للجهات الحكومية وبسرعة وسرية كاملة، فجريمة الاختلاس في النظام السعودي هي عبارة عن صورة من صور الفساد المالي التي من الوارد أن يقوم بها موظف عام بحق الجهة الحكومية التي يعمل لديها، والموظف المرتكب لتلك الجريمة هو الذي يكون موكل إليه مهمة التعامل مع هذه الأموال العامة.

ثالثاً: تساؤلات حول أهم أحكام ووظائف هيئة مكافحة الفساد

وسوف نتناول فيما يلي أبرز ما يوجد في النظام من خلال ما يلي :

1) من هي الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة ؟

الجهات العامة في الدولة، والشركات التي تمتلك الدولة نسبة لا تقل عن (25%) من رأس مالها.

2) ما مدى استقلالية الهيئة وإمكانية التدخل في عملها ؟

هناك ارتباط مباشر بين الهيئة وبين الملك، كما أن الهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولديها استقلال تام مالي وإداري، وذلك يضمن لها أن تباشر عملها بحيادية واستقلال  تام، دون أن يتدخل أي أحد في عملها.

3) أين يقع مقر الهيئة ؟

مدينة الرياض هي مقر الهيئة الرئيس، وللهيئة الحق في إنشاء فروع أو مكاتب أخرى لها داخل المملكة بحسب الحاجة.

4) ما هي أهداف واختصاصات الهيئة ؟

تهدف الهيئة إلى ما يلي :

  • حماية النزاهة.
  • وتعزيز مبدأ الشفافية.
  • ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه.

وبحسب ما جاء نصاً في (المادة 3) من النظام، فلها في سبيل تحقيق ذلك الاختصاصات الآتية:

1 – متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها.

2 – التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود، المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة.

3 – إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، مع إبلاغ رئيس الجهة – التي يتبعها الموظف المخالف – بذلك، وللهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، ولها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية أو التحفظية ـ وفقاً لما يقضي به النظام ـ في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد. وفي جميع الأحوال، إذا رأت الهيئة أن تلك المخالفات والتجاوزات تمثل بعداً مؤسسياً لأي من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة ؛ فعليها رفع الأمر إلى الملك لاتخاذ ما يراه.

4 – العمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها.

5 – تشجيع جهود القطاعين العام والخاص على تبني خطط وبرامج لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها وتقويم نتائجها.

6 – متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع الجهات المختصة.

7 – مراجعة أساليب العمل وإجراءاته في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بهدف تحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تؤدي إلى الفساد، والعمل على معالجتها بما يضمن تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها.

8 – اقتراح الأنظمة والسياسات اللازمة لمنع الفساد ومكافحته، وإجراء مراجعة دورية للأنظمة واللوائح ذات الصلة؛ لمعرفة مدى كفايتها والعمل على تطويرها، والرفع عنها بحسب الإجراءات النظامية.

9 – إعداد الضوابط اللازمة للإدلاء بإقرارات الذمة المالية، وأداء القسم الوظيفي، لبعض فئات العاملين في الدولة، ورفعها إلى الملك للنظر في اعتمادها.

10 – متابعة مدى قيام الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بما يجب عليها إزاء تطبيق الأنظمة المجرِّمة للفساد المالي والإداري، والعمل على تعزيز مبدأ المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه.

11 – متابعة تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي تكون المملكة طرفاً فيها.

12 – توفير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأنها. وتحدد اللوائح التنفيذية لهذا التنظيم الآلية والضوابط اللازمة لذلك.

13- العمل مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني على تنمية الشعور بالمواطنة وبأهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة، بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها.

14- تلقي التقارير والإحصاءات الدورية من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة – وفق ما تطلبه الهيئة – ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها، واتخاذ ما يلزم حيالها.

15- دعم إجراء البحوث والدراسات المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وحث الجهات المعنية ومراكز البحوث المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني على الإسهام في ذلك.

16- إجراء الدراسات والقياسات المتعلقة بتأثير الفساد على التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وتحليلها، ووضع الوسائل اللازمة لمعالجة ذلك.

17- جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد، وتصنيفها، وتحليلها، وبناء قواعد بيانات وأنظمة معلومات خاصة بها.

18- نشر الوعي بمفهوم الفساد وبيان أخطاره وآثاره وبأهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية وثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على التعاون والإسهام في هذا الشأن.

19- تمثيل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بالشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال.

20- تنظيم المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية حول الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد.

21- أي اختصاص آخر يعهد به إلى الهيئة بموجب نصوص خاصة.

5) ما مدى إمكانية تعاون الهيئة مع الجهات الرقابية ؟

لأنه لن تستطيع أي هيئة أو جهة رقابية أن تقوم بمفردها بمكافحة الفساد أو مجابهته، لذا كان لزاماً أن تتعاون الهيئة مع الجهات الرقابية المختصة لتكتمل دائرة تكامل الأدوار لتصل السفينة لغايتها النهائية في مكافحة الفساد.

6) ما هي الاشتراطات التي وضعتها الهيئة فيمن يباشر الوظائف المتعلقة باختصاصاتها ؟

إضافة إلى الشروط  التي  تقوم بتحديدها اللوائح الوظيفية التي تناولتها (المادة 7) من النظام فإنه يتعين على الموظف أن يتحلى بمجموعة من الصفات نص عليها النظام وهي كما جائت نصاً:

1- أن يتحلى بالحكمة والأمانة والنزاهة والحياد.

2 – ألا يكون قد حكم عليه بحد أو بتعزير أو في جرم مخل بالشرف أو الأمانة أو صدر في حقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة، ولو كان قد رد إليه اعتباره.

3 – أن يدلي بإقرار الذمة المالية.

4 – ألا يزاول أي عمل – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – بأجر أو دون أجر في القطاع الحكومي أو الخاص ما دام على رأس عمله في الهيئة.

[1] فارس بن علوش بن بادي السبيعي، دور الشفافية والمسائلة في الحد من الفساد الإداري في القطاعات الحكومية، أطروحة دكتوراه، الرياض، 2010، ص 10

[2] محمد عبد الغني حسن هلال، مقاومة ومواجهة الفساد والقضاء على أسباب الفساد، مركز تطوير الأداء والتنمية، مصر الجديدة، القاهرة، 2007، ص 10

[3] شريهان ممدوح حسن أحمد، جهود مكافحة الفساد الإداري والمالي في المملكة العربية السعودية، ص 7