من رحمة الله تعالى أن شرع الوصية بصورة جليلة حتى في آخر لحظات العمر والهدف من ذلك هو تدارك الإنسان لما يُمكن أن يكون قد نساه أو تخلف عنه أو تخاذل عن تحقيقه طوال حياته، ففي الوصية تزويد للخير والثواب قبل الرحيل إلى العالم الآخر.
وآخر لحظات أو أوقات في عمر الإنسان تكون هي أصفى لحظاته التي يدرك فيها معنى الدنيا الحقيقي بل وحقيقتها مقابل وعد الآخرة، ولهذا شرع الله الوصية التي تتلافى غفلة الإنسان طوال حياته وتكون رصيداً للإنسان بعد وفاته.
وفيما يلي سنتناول مبطلات الوصية كما وردت في نظام الأحوال الشخصية :
أولاً: رجوع الموصي عن وصيته قولاً أو فعلاً
لأن الوصية عقد غير مُلزم فهي تُبطل بالاتفاق فاللموصي حق الرجوع فيه وقتما يشاء، لأن الذي وجد منه هو الإيجاب فقط، وذلك لأنه عقد حكمه لا يثبت إلا بعد موت الموصي، فلا يترتب على الإيجاب أي حق للموصي له قبل ذلك، فيكون بالخيار بين الإمضاء والرجوع.[1]
ثانياً: وفاة الموصي له المعين قبل الموصي أو موتهما معاً أو جهل أيهما أسبق وفاة إلا إذا كانت الوصية بقضاء دين الموصي له.
فالموت تُبطل به الوصية باتفاق المذاهب الأربعة، وذلك لأن الوصية ما هي إلا عطية وقد صادفت المعطى ميتاً لا تصح إلا كالهبة للميت، ولأن الوصية لا تكون لازمة إلا بوفاة الموصي وقبول الموصى له. وكذلك تبطل الوصية في حال موتهما معاً أو عدم التحقق من أيهما أسبق وفاة على الآخر وذلك مع وجود استثناء وهو إذا كانت الوصية بقضاء دين الموصى له.
ثالثاً: رد الموصى له الوصية بعد وفاة الموصى وقبل القبول
فالوصية تبطل في حال أن ردها الموصى له بعد وفاة الموصي، ولو كان الرد بعد القبول إذا كان الورثة قد قاموا بقبولها أو أن قبلها أحدهم .
رابعاً: قتل الموصى له الموصي قتلاً يمنع الإرث
فالوصية تبطل عند الحنابلة والحنفية في حال أن تم قتل الموصي عمداً وعدواناً، وذلك سواء أكان القتل قبل الوصية أم بعدها.
خامساً: تلف الموصى به المعين أو استحقاقه لغير الموصي
فالوصية تُبطل في حال كان الموصى به معيناً بالذات، وقد هلك قبل قبول الموصى له، وذلك لفوات محل حُكم الوصية، ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقاؤه، كما لو أوصى بهذه الشاة، فهلكت، تبطل الوصية، لأن الوصية تعلقت بعين قائمة وقت الايصاء، وقد فاتت بعدئذ، ففات محل الوصية، وكذلك تُبطل الوصية إذا كانت بجزء شائع في شيء معين بذاته، أو من نوع معين من أمواله، كأن يوصى بنصف هذه الدار، أو يوصي بفرس من أفراسه العشرة المعلومة، فهلكت أو ينصف دوره، فهدمت، فلا شيء للموصى له، لفوات محل الوصية.[2]
كما أن الوصية تبطل كذلك باستحقاق الموصى به كله بطلاناً كلياً، وكذلك تُبطل جزئياً إذا كان هناك استحقاق لبعض الموصى به حتى ولو بعد تملك الموصى له، وذلك لأن الأمر اتضح بعد الاستحقاق أن الموصي أوصى بمالاً يملكه فعلاً.
كما أن الوصية تُبطل في حال أكان الاستحقاق قبل موت الموصي أم بعده، لأنه بالاستحقاق اتضح أن الوصية لم تكن في ملكه، ولهذا فإنها تُبطل.
وأخيراً نذكر بعض أحكام الوصية التي وردت في كتاب كشف القناع :
جاء في كشف القناع بما نصه : ” وإن وصي لمن تحمل هذه المرأة، لم تصح الوصية لأنه لا وصية لمعدوم “[3]
وجاء في كشف القناع ما نصه : ” وكذا المجهول لا تصح الوصية له (كأن يوصي بثلثه لأحد هذين) الرجلين، أو المسجدين أو نحوهما”[4]
وكذلك جاء في كشف القناع ما نصه : ” وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل وصيته “[5]
وجاء أيضاً في المرجع السابق ما نصه : ” (لا إن جحد) الموصي (الوصية) فإن ذلك ليس رجوعاً، لأنها عقد، فلا تُبطل بالجحود كسائر العقود”[6]
كما جاء ما نصه : ” (أو بنى أو غرس) ما أوصى به بأن كان حجراً أو آجراً فبناه ، أو نوى ونحوه فغرسه فرجوع”.[7]
[1] الزحيلي، الوصايا والوقف، ص 99
[2] الزحيلي، الوصايا والوقف، ص 102
[3] كشف القناع، جزء 10، ص 243
[4] كشف القناع، جزء 10، ص 243
[5] كشف القناع، جزء 10، ص 243
[6] كشف القناع، جزء 10، ص 229
[7] كشف القناع، جزء 10، ص 229