تناولنا في الجزء الأول بعض أحكام نظام مكافحة التستر، وتبقى لدينا البعض الآخر مما لم نتطرق إليه، وفيما يلي سنتناول ما تبقى من تلك الأحكام ولكن سنسبق ذلك بمقدمة حول تعريف التستر والتستر التجاري وأركان جريمة التستر التجاري: (انظر الجزء الأول 🔗)

التستر اصطلاحاً كما عرفه بعض الباحثين هو: إخفاء الشخص المجرم والمطلوب بحق، وستر فعله، وكتمان خبره، عن السلطات الأمنية، أو عن صاحب الحق وغيره من الناس؛ بقصد تخليصه من العقوبة، أو تفويت حق الغير أو الإضرار صاحب الحق.[1]

وعرفه بعض القانونيين بأنه: مساعدة الجاني وتشجيعه على ارتكاب الجريمة.[2]

أما تعريف التستر التجاري فهو: عقد أو تبرع مستتر بين طرفين (مستتر ومستتر عليه)، يجيز منح من يسمح له النظام بالقيام بالأنشطة التجارية – سواء أكان مواطناً أو مقيماً- اسمه لشخص أجنبي (طبيعي أو اعتباري) حتى يُمكنه من ممارسة أعمال تجارية لا يجيزها النظام، لهدف محدد.

وللتستر التجاري أركاناً ثلاثة هي:

  1. المتستر:

وهو شخص يُمكن غيره أن يزاول نشاطاً اقتصادياً محظوراً، وغالباً ما يكون مواطناً سعودياً، وقد يكون مقيماً في المملكة من غير المواطنين، في حال أن كان مسوحاً له بممارسة النشاط الاقتصادي، أو الاستثمار داخل المملكة.

  1. المتستر عليه:

وهو شخص يقوم بممارسة نشاط اقتصادي محظور ممارسته وفقاً للنظام، وقد يكون شخصاً مقيماً في المملكة من غير المواطنين، وبحسب نظام مكافحة التستر فالتستر التجاري يُعتبر مخالفة إذا كان المتستر عليه أجنبياً، فعلى المقيم دون المواطن تقوم عملية التستر، وهذا ما جرى عليه العمل، ولكن إذا نظرنا للمفهوم الشامل للتستر التجاري فقد يكون المتستر عليه سعودياً، مثل أن يكون ممن يحظر النظام عليهم ممارسة النشاط التجاري كالموظف العام، فيقوم باستخراج تصاريح باسم شخص آخر مسموح له بممارسة هذا النشاط.

  1. العقد بين المتستر والمتستر عليه:

عقد خفي، أي له ظاهر وباطن، أما ظاهره فيجعل النشاط التجاري الذي لا يسمح للأجنبي بممارسته للمتستر، ولا غرض من ذلك إلا السلامة من الملاحقات النظامية، أما المتستر عليه فليس له وفق ظاهر العقد سوى الأدوار المقبولة نظاماً.

وأما باطن هذا العقد فيكون فيه رأس المال والنشاط الحقيقي كاملاً للمتستر عليه، وأما المتستر فهو واجهة للمشروع مقبولة أمام السلطات كما أسلفت، وليس له منه إلا قسط مالي معين شهري أو سنوي يُدفع له مقابل تستره، وهذا في الغالب، وقد يتستر بلا مقابل لسبب معين.[3]

ومن أحكام نظام مكافحة التستر ما يلي:

أولاً: إبعاد غير السعودي المخالف للنظام

في حال أن صدر حُكم بإدانة غير السعودي في صورة من صور الجرائم التي وردت في (المادة 3) من نظام مكافحة التستر فيتم تنفيذ الحُكم القضائي الصادر في حقه، ويُجبر على دفع ما عليه من رسوم وضرائب والتزامات أخرى تقررها المحكمة الجزائية، ثم بعد ذلك يتم إبعاده عن المملكة وحظر دخوله إليها وذلك وفقاً لما أقرته الأنظمة والقواعد ذات الصلة وما تحدده اللائحة التنفيذية للنظام.

ثانياً: ما يترتب على الإدانة من نتائج

عند ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (أ) من (المادة 3) فإنه يترتب على ذلك ما يلي:

  • باستثناء ما تراه المحكمة الجزائية مناسباً، فيترتب على ذلك حل المنشأة محل الجريمة، وإلغاء الترخيص والموافقة الصادرة لها على ممارسة النشاط، وشطب السجل التجاري للمدان.
  •  يُحظر على الشخص المُدان أن يُمارس النشاط الاقتصادي محل الجريمة، وأي عمل تجاري آخر لمدة (خمس) سنوات تبدأ من تاريخ اكتساب الحكم الصفة النهائية.

مع العلم أن الزكاة والضرائب والرسوم، وأي التزام آخر مقرر على المنشأة يتم استيفاءها بالتضامن بين المدانين بارتكاب أي من الجريمتين المنصوص عليهما في الفقرتين (أ) و(ب) من (المادة 3) من النظام.

ثالثاً: المشاركة في كشف الجريمة

إذا قام أي شخص من مرتكبي جرائم التستر بإبلاغ الجهات المختصة عن الجريمة أو عن مرتكبيها الآخرين قبل اكتشافها، وترتب على إبلاغه أن تم ضبطهم أو ضبط الأموال أو الوسائط أو متحصلات الجريمة، فللمحكمة الجزائية سلطة جوازيه في إعفاؤه من العقوبات التي وردت في الفقرة الأولى من (المادة 9) من النظام، مع العلم أن الالتزامات الزكوية والضريبية لا تدخل ضمن نطاق الإعفاء.

رابعاً: بطلان كافة العقود التي يكون محلها التستر

كافة العقود أو التصرفات – أياً كان نوعها أو غرضها أو هدفها أو محلها – التي تُبرم لأهداف متعلقة بالتستر تكون باطلة.

خامساً: الحفاظ على سرية المبلغين

كان فيما قبل يتخوف بعض العمال أو الموظفين أو المواطنين من ردود أفعال المتسترين أو أن يطالهم شرورهم بعد الإبلاغ فيتربصون بهم أو بأرزاقهم أو أن أمر الإبلاغ يُسبب له حرجاً فكانوا يتجنبون الإبلاغ عن تلك الجريمة وقد تنبه المشرع السعودي ذلك فألزم وفق نظام مكافحة التستر الجديد أن يتم الحفاظ على سرية هوية المبلّغين في سجل سري وعدم إرفاقها لسجل القضية.

كما أن للنيابة العامة الحق في طلب الكشف عن هوية المبلّغ في حال أن اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، ولكن لا يكون ذلك إلا وفق إجراءات تضمن الحفاظ على سرية هوية المبلّغ.  

سادساً: مكافئة المبلغين

تشجيعاً للمواطنين والمقيمين على التبليغ عن تلك الجرائم التي تعتبر اقتصادًا موازياً غير شرعي وغير نظامي فقد قرر النظام أن لوزير التجارة حق منح مكافأة مالية لا تتجاوز قيمتها (30%) من الغرامة التي تم تحصيلها عن أي جريمة أو مخالفة منصوص عليها في النظام لمن يبلغ عنها من غير المختصين بتطبيق أحكام النظام.

وذلك بشرطين وهما:

  • إذا قدم معلومات تكون صالحة للاستناد عليها في البدء في التحقيق.
  • في حال أن صدر حكم نهائي بثبوت الجريمة أو أصبح القرار نهائيًّا بثبوت المخالفة، ولم يكن ذاك المبلغ مدانًا فيها.

واللائحة التنفيذية تحدد إجراءات الإبلاغ وضوابط صرف المكافئات وما يتصل بذلك من أمور.

سابعاً: مصادرة المتحصلات

المتحصلات يتم مصادرتها عن طريق حُكم قضائي بغض النظر عمّا إذا كانت في حيازة أو ملكية المدان أو أي طرف آخر، وذلك بعد الإدانة بارتكاب أيّ جريمة من الجرائم المنصوص عليهما في الفقرتين (أ) و(ب) من (المادة 3) من النظام، مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسني النية.

وفي حال:

  • أن تعذرت مصادرة المتحصلات.
  • أو اختلطت بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة.
  • أو لم يمكن تحديد مكانها.

 فحينها يُصادر بحكم قضائي أي أموال أخرى تعادل قيمة تلك المتحصلات.

وكما جاء نصاً في الفقرة الثالثة من (المادة 10) من النظام فإنه: دون إخلال بحقوق الغير (الحسن النية)، للمحكمة الجزائية -من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب من ذي مصلحة- إبطال أو منع تنفيذ أي إجراء أو عمل -تعاقدي أو غير ذلك- إذا علم أطرافه أو أحدهم أو كان لمثلهم أن يعلموا بأن أيًّا من تلك الإجراءات أو الأعمال من شأنها أن تؤثر في قدرة السلطات المختصة في استرداد المتحصلات الخاضعة للمصادرة.

[1] د/ أمل بنت إبراهيم بن عبد الله الدباسي، التستر التجاري (دراسة فقهيه نظامية)، ص 23
[2] التستر على الجاني بين الشريعة والقانون للسكيت، ص 42 نقلاً عن قانون العقوبات – القسم العام، لمأمون سلامة ص 429.
[3]   اقتباس حرفي من د/ أمل بنت إبراهيم بن عبد الله الدباسي، التستر التجاري (دراسة فقهيه نظامية)، ص 31