تشكل جريمة التحرش الجنسي اعتداءً على عرض الإنسان وشرفه وكان إصدار نظام مكافحة التحرش ما هو إلا محاولة لمسايرة الحركة العالمية في مكافحة تلك الجريمة، ومما لا شك فيه أن تلك الحركة قد سبقتها الشريعة الإسلامية التي جعلت حماية العرض أحد المقاصد الخمس التي حفظها الشرع الحنيف.

ولم يسلم من تلك الظاهرة حتى الأطفال وفي مختلف المراحل العمرية فجريمة التحرش لا ترتبط بالدين أو العرف أو المستوى الثقافي والاقتصادي بل تستشري في كافة طبقات المجتمع.

وخطورة المتحرش تنبع من عدم وجود سوابق قضائية له كما أنه لا يستخدم سلاحاً في ارتكاب جريمته وإنما ينتهز الفرص كلما أتيحت له، إلا أنه ورغم ذلك فإن الأثر النفسي الذي يخلفه نتيجة جريمته قد يفوق أحيانا الأثر لفعل السلاح.

ومن خلال استقرائنا لنظام مكافحة التحرش فسوف نتناول فيما يلي أبرز ما جاء فيه:

أولاً: المقصود بجريمة التحرش:

” يُمكن تحديد المقصود بالتحرش الجنسي لدى القانون المصري، إذ باستقراء (المادة 306) مكرر (أ،ب) ، يُمكن استخلاص تعريف التحرش الجنسي وفقاً لما يقصده المنظم المصري فيُمكن القول بأنه ( كل سلوك ذو طبيعة جنسية أو إباحية يقع من شخص تجاه آخر في مكان ما بهدف الحصول منه على منفعة جنسية شخصية).”[1]

وفعل التحرش كما عرفته المادة الأولى من نظام مكافحة التحرش هو:

” يقصد بجريمة التحرش، لغرض تطبيق أحكام هذا النظام، كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة”.

ويلاحظ أن المشرع لم يضع ثمة شروط تتعلق بمكان التحرش ومدى علانيته، ومن ثم فإنه يستوي أن يقع التحرش في أي مكان سواء أكان مكاناً عاماً كالمتنزهات أو خاصا كالمنازل.

كما لم يشترط أن يقع الجرم ضد أنثى وإنما مد فعل التحرش فيمكن أن يكون رجلا أو أنثى، كبيراً أو صغيراً أو حتى طفلاً، كما أن التحرش لا يشمل الفعل فقط وإنما يمتد للتحرش بالإشارة أو بوسائل التقنية الحديثة كالإنترنت.

فالتحرش قد يكون قولاً كالغزل أو المراودة عن النفس أو التعليقات الجنسية، وهناك أيضاً التحرش الفعلي وهو الذي يتمثل في القيام بإحدى صور المضايقة الفعلية للمجني عليه ومن أمثلة ذلك النظرة الفاحصة باستطالة في جسد الشخص الآخر وبالأخص في الأماكن الحساسة، أو عرض صور جنسية، أو إلقاء ورقة بها رقم هاتف، أو الملامسة الجسدية، أو الاستعراض الجنسي أو النظر.

كما أن من صور التحرش، التحرش بالإشارة مثل الصفير والغمز بالعين والحاجب والحركات الجنسية، ومن صور التحرش أيضاً التحرش بوسائل التقنية الحديثة وهو يمثل جميع وسائل الاتصالات الحديثة المعروفة.

ثانياً: الهدف من النظام

جاء في (المادة 2) من النظام ما يلي: “يهدف هذا النظام إلى مكافحة جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، وتطبيق العقوبة على مرتكبيها، وحماية المجني عليه؛ وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، التي كفلتها أحكام الشريعة الإسلامية، والأنظمة”.

فالقانون انعكاس من السياسة العامة للمملكة العربية السعودية وفي كل مجتمع هناك شواذ من أناس لا يردعهم لا دين ولا أعراف ولا تقاليد ولا أخلاق، ولا منظومة قيم وأخلاق، ومن ثم كان وجوباً استصدار نظام يردع من في نفسه شروراً، ولما كانت علاقات الأفراد يجب أن تكون محكومة ومنضبطة وفق أسس وقواعد سلوك عامة يقرها المجتمع بهدف حماية الناس من بعضهم البعض.

ويعتبر النظام نقلة نوعية فهو يسد فجوة تشريعية تتمثل في إيجاد منظومة قانونية تتعامل مع جريمة التحرش، والحيلولة دون وقوعها، أي الاهتمام بالجانب الوقائي ويحمي الأعراض من المتجاوزين.

ثالثاً: حق الجهات المختصة

بما يعني أن جرائم التحرش من الجرائم التي لا يسقط فيها الحق العام بسقوط الحق الخاص، فحتى وإن تنازل المجني عليه عن حقه الخاص فليس لذلك ثمة تأثير على الحق العام، وإنما تظل الدعوى قائمة في حدود هذا الحق حتى يتم التوصل لحكم عادل، أما لو صرح صاحب الحق الخاص بالتنازل مرارا وتكرارا فهذا لا يؤثر شيئاً في تحريك الحق العام.

رابعاً: السرية

قد ألزم القانون أي شخص لديه صلاحية الاطلاع على معلومات تخص حالة من حالات التحرش بحكم عمله أن يحافظ على سرية تلك المعلومات، ولا يفشي هوية المجني عليه إلا في حالات الضرورة التي تستلزمها الإجراءات القانونية في جمع المعلومات التحقيق أو في المحاكمة، وذلك حتى لا ينتهك ستره.

خامساً: تدابير وقائية لمكافحة التحرش

أوجب النظام وضع تدابير مناسبة على الجهات المعنية في القطاع الحكومي، والقطاع الأهلي، بهدف الوقاية من التحرش ومكافحته في ظل بيئة عمل آمنه، ومن ذلك حوكمة البلاغات عن التحرش والتأكد من صحتها والمحافظة على سريتها وتعريف العاملين بتلك التدابير، والمسائلة التأديبية لأي موظف يُخالف أحكام نظام مكافحة التحرش، مع العلم أن المسائلة التأديبية لا تمنع المجني عليه من حق التقدم بشكوى أمام الجهات المختصة.

سادساً: عقوبة ارتكاب جريمة التحرش

في حال ارتكاب جريمة التحرش فإنه يُعاقب مرتكبها بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال أو بكلتا العقوبتين، ولكن هناك عدة حالات تشدد فيها العقوبة لتصبح السجن لمدة تصل لخمس سنوات كحد أقصى، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بكلتا العقوبتين وتلك الحالات هي:

  1. حالة العود: أي رجوع الشخص لارتكاب الجريمة حتى بعد صدور حكم نهائي في جريمة سابقة من نفس النوع، وذلك حتى لا يستهين المجرم بالعقوبة.
  2. إذا كان المجني عليه طفلاً: وذلك أن الطفل لا يمتلك التمييز والإرادة ويسهل استدراجه وإستغفاله والإيقاع به، ومن ثم كان من المنطقي تشديد العقاب، والطفل هنا بحسب نظام مكافحة التحرش هو من لم يبلغ سن 18 عاما.
  3. إذا كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة: وذلك لأن حال ذوي الاحتياجات الخاصة أمراً يحفز الإنسانية ومن لم يراعي حال الضعف التي تعتيرهم ويستغلها فهو أولى الناس بتشديد العقاب.
  4. إذا كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه: والسلطة هنا لا يقصد منها السلطة الوظيفية فقط وإنما السلطة في نظام الأسرة أو في الدراسة أيضاً، أو أي كانت نوع هذه السلطة أو محلها، وعلة التشديد هنا هو استغلال صاحب السلطة سلطته في التأثير والضغط إما على الرزق أو على المستقبل الدراسي أو الإنفاق والاضطهاد، فيحاول المشرع هنا تقوية الطرف الضعيف في العلاقة.
  5. إذا وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية: وهو سبب مشدد للعقوبة مرتبط بالسبب السابق عليه، ولو لم يكن للجاني سلطة على المجني عليه، والعلة من التشديد هنا التحفيز على احترام قيمة هذه الأماكن.
  6. إذا كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد: وذلك لأن التحرش بين الرجال وبعضهم البعض أو النساء وبعضهن البعض قد يكون مقدمة للواط والسحاق وهي من الكبائر العظيمة التي توعدها الله بالعقاب الشديد في الدنيا قبل الآخرة.
  7. إذا كان المجني عليه نائماً، أو فاقداً للوعي، أو في حكم ذلك: بحيث أن النائم أو فاقد الوعي لا يكون متحكماً في إرادته أو يكون مسلوباً الإرادة ومن ثم الجاني الذي يتجرأ على الاعتداء على فاقد الإرادة يكون مستحقاً لتشديد العقوبة.
  8. إذا وقعت الجريمة في أي من حالات الأزمات والكوارث والحوادث: وذلك لأن من يتجرأ على التحرش في مثل هذه المواقف يكون مفتقداً للشهامة ولأدنى درجات المروءة، فالعلة من التشديد هنا مجابهة أصحاب الطباع الدنيئة والخسيسة.

وأما فيما يتعلق بعقوبة المساهمة في جريمة التحرش

والمساهمة قد تكون بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة بأي شكل أو صورة للغير على ارتكاب جريمة التحرش بالعقوبة المقررة للجريمة.

وفيما يخص عقوبة الشروع في جريمة التحرش:

كل من يشرع في ارتكاب جريمة التحرش فإنه يُعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها.

وفيما يتصل بعقوبة البلاغ الكيدي أو الكاذب في جريمة التحرش:

من يُقدم على تقديم بلاغات كيدية عن جريمة التحرش، أو ادعى كيداً بتعرضه لها فإنه يُعاقب بذات العقوبة المقررة للجريمة.