حوكمة  المؤسسات سواء أكانت  حكومية أو خاصة تستند في قدر كبير منها على مبادئ وقيم العمل التي توجه سلوك كافة المستويات الوظيفية، فنجد أنه في بعض الدول يتقبل أو يتعايش البعض مع الفساد على باعتبار أنه واقع يتعين أن نتعايش معه ومن الصعب التحكم به أو إحكام السيطرة عليه، ومن ثم كانت الحاجة لإصلاح مناخ المؤسسات والقطاع الخاص.

فالأداء المؤسسي يتعين أن يقوم على منهجية متكاملة ومنتظمة تساعد في ترجمة الاستراتيجيات إلى عمليات وأنشطة أساسية من أجل ضمان تفعيل وتسهيل صنع القرار الإداري، وتحقيق الأهداف والمعايير لعمل المؤسسة، فالحوكمة ضرورية وذلك لأنه ما لا يُمكن قياسه لا يُمكن بالضرورة إدارته.

أولاً: تعريف حوكمة المؤسسات

عرفت مؤسسة التمويل الدولية الحوكمة بأنها : النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركة والتحكم في أعمالها.

كما عرفتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأنها : مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصالح.

أما هيئة السوق المالية بالمملكة فقد عرفتها بأنها: قواعد لإدارة الشركة وتوجيهها تشتمل آليات لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح، وذلك بوضع إجراءات وقواعد خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات وإضفاء طبع الشفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية في السوق وبيئة العمل.

ويوضح تقرير (CADBLURY)  حوكمة المؤسسات بأنها : نظام بمقتضاه تُدار المؤسسات وتُراقب.

وعرفها البنك الدولي (WB) بأنها : هي ممارسة للسلطة السياسية، ورقابة إدارة الموارد المؤسساتية من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية.

وقد مرت الحوكمة بعديد المراحل التطورية منذ العقد الأخير من القرن الماضي، فقد بدأت بتنظيم العلاقة بين الأطراف المعنيون، ثم تطوير أداء الرقابة الداخلية والتدقيق، مروراً برفع مستوى الشفافية لدعم عملية المسائلة، إلى تمكين حقوق بقية أصحاب المصالح، انتهاء بـ التركيز على أهمية الممارسات الأخلاقية .

وتشتمل الحكومة على عدة مصطلحات كالإشراف، والقانون، والمطابقة، والالتزام، والتدقيق، والاستراتيجية، والمعرفة، والإدارة.

ومن ثم فإن حوكمة المؤسسات تحقق : الثقة، وحفظ الحقوق، وتمكين الرقابة، والعدالة، والاستدامة والاستمرارية، والنمو والتطوير، ورفع الكفاءة، والإفصاح والشفافية، الإشراف، والضبط، ومعالجة تعارض المصالح، والتدقيق.

ثانياً: أهداف حوكمة المؤسسات

 بشكل عام يُمكن القول أن حوكمة المؤسسات تهدف لتنظيم العلاقة بين أصحاب المصالح في المؤسسة وتحسين أداء المؤسسة والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية وأخلاق الأعمال، وتعمل حكومة المؤسسات على تحقيق عدد من الأهداف والتي تخدم كافة الأطراف، ومن أهم تلك الأهداف :

  • تحسين مصداقية المؤسسات.
  • توفير مصادر تمويل متعددة للمؤسسات.
  • منع استغلال السلطة في المؤسسات.
  • الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
  • تحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين.
  • تحقيق أقصى حماية ممكنة للملكية العامة مع مراعاة الأطراف ذات العلاقة.
  • إنشاء أنظمة فعالة لمواجهة مخاطر العمل المؤسسي، وتحفيف الآثار التي تنتج عن الأزمات المالية.
  • بناء ثقافة الولاء المؤسسي والشعور بالمسؤولية نحو تحقيق الأهداف المرسومة.
  • تحقيق العدالة والشفافية وحق المسائلة.
  • مراعاة مصالح العمال والمجتمع.
  • تشجيع الاعتبارات الأخلاقية.
  • تشجيع جذب الاستثمارات.
  • تحسين مصداقية المؤسسات.
  • تدعيم الكفاءة والنزاهة في أسواق رؤوس الأموال.
  • تحسين صورة المؤسسات.
  • تعزيز مستوى المسؤولية لدى المسيرين.

فالمؤسسات التي تفتقر للحكومة تكون أكثر عرضه للفشل وفقدان المكاسب والتعرض للأزمات المالية، ومن ثم التأثير بالسلب على الاقتصاد الوطني.

ثالثاً: أهمية حوكمة المؤسسات

تطبيق الحوكمة الجيدة من الناحية الاقتصادية وفي شكل الإفصاح يُمكن أن يُساهم في تخفيض تكلفة رأس المال وأيضاً في جذب رؤوس الأموال ومحاربة الفساد والتلاعب وسوء الإدارة الذي يقلص معدلات النمو، كما أن حوكمة المؤسسات تُساهم في زيادة فرص التمويل وتجنب الأزمات المالية، وتحقيق التنمية الاقتصادية، مما ينعكس في كسب ثقة المتعاملين، إضافة إلى أن حوكمة المؤسسات تؤثر في استقرار السوق وتحد من تقلباتها، وتعظم كفاءة استخدام الموارد ، ومن ثم تحقيق التقدم الاقتصادي.

ويُمكن تلخيص أهمية حوكمة المؤسسات من الناحية الاقتصادية فيما يلي :

  • أداة فعالة في مواجهة الفساد الإداري والمالي.
  • ضمان وجود هياكل إدارية تمكن من محاسبة إدارة المؤسسة.
  • تساعد في جذب الاستثمارات.
  • ضمان رفع الأداء المالي وتخصيص أموال المؤسسة.
  • تعزيز المركز التنافسي للمؤسسة وكسب ثقة الأطراف بها.
  • تجنب الانزلاق في مشاكل مالية ومحاسبية.

ومن الناحية القانونية فالقانونيون يهتمون بحوكمة المؤسسات لمحافظتها على حقوق الأطراف في المؤسسة سواء المساهمين أو مجلس الإدارة أو أصحاب المصالح، ومن ثم فالتشريعات التي تنظم عمل المؤسسات تكون هي المنوطة لحوكمة المؤسسات وتُعتبر هي العمود الفقري له، وتختلط عمل المؤسسات بعدد من القوانين كالمنافسة والضرائب، فالعقود تمثل حجر الأساس في تنظيم العلاقات التعاقدية بين الأطراف داخل المؤسسة بحيث أنها تمثل حجر الأساس في تنظيم العلاقات التعاقدية بينهم، فحوكمة المؤسسات من الناحية القانونية تُساهم في التغلب على سلبيات تنفيذ التعاقدات.

أما أهمية حوكمة المؤسسات من الناحية الاجتماعية وذلك لأن المؤسسات تؤثر وتتأثر بالحياة العامة، فأداء المؤسسات من المؤكد أنه قد يؤثر على الوظائف ومستوى الدخل وبالتالي مستوى المعيشة والرفاهية بشكل عام.

كما أن الحوكمة تُمكن المؤسسات من رفع كفائتها الاقتصادية وذلك عبر وضع أسس للعلاقة بين الأطراف وإطار تنظيمي يحدد أهداف المؤسسة والطرق التي من خلالها يُمكن تحقيق تلك الأهداف ، فإذا صلحت المؤسسة فسينعكس ذلك على صلاح المجتمع كله وإن فسدت فسد المجتمع كله.

وأما من جانب الأطراف الآخذة، فاللحوكمة أهمية للزبائن لكونها تسمح للمؤسسة بتوفير لهم سلع وخدمات ذات جودة، وسعر مناسب، والتزام ثابت ودائم بتحقيق رضاهم، وأهمية كذلك للإداريين والمسيرين لكونهم تساعدهم في حماية ممتلكات المؤسسة، وتوجيه سلوكهم نحو الأهداف المسطرة، الرقابة الفعالة، الحصول على منح…، وبالنسبة  للمساهمين فهي تساعد على ضمان حقوقهم، تحديد المخاطر المترتبة على استثماراتهم، ومتابعة سير نشاط المؤسسة وأدائها.[1]

والجدير بالتذكير أن الأطراف المعنيون بتطبيق مفهوم الحوكمة في المؤسسات هم المساهمين، ومجلس الإدارة، والإدارة، وأصحاب المصالح.

وحتى يتسنى للمؤسسات الحكومية القيام بدورها المرسوم لها بأفضل شكل ممكن فإنه يتعين عليها تنفيذ عناصر الحوكمة في كافة مراحل عملياتها، وذلك بتطبيق أفضل الممارسات والخبرات العالمية ذات الجدوى، فالحوكمة يُمكن اعتبارها نظاما للرقابة والتوجيه على المستوى المؤسسي.

فتحدد المؤسسة المسؤوليات والحقوق والعلاقات بين جميع الفئات المعنية وذلك من موظفين ومدراء ومواطنين، وتوضح القواعد والإجراءات اللازمة لصنع القرارات المتعلقة بعمل المؤسسة كما أنها أيضا تعتبر نظاما قائما بحد ذاته يدعم العدالة والشفافية والمسائلة المؤسسية ويعزز المصداقية والثقة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين.

رابعاً: صفات نظام الحوكمة الرشيد

  • المشاركة بين الأطراف المعنية : وذلك عن طريق عمل الموظفين والمدراء بجانب بعضهم البعض لتوفير الخدمات بأفضل صورة ممكنة للمواطنين، والجدير بالذكر أن المشاركة يُمكن أن تكون مباشرة كما يُمكن أن تكون من خلال مؤسسات شرعية تمثل الأطراف المختلفة.
  • سيادة القانون : تضمن الحوكمة حماية تامة لحقوق المواطنين وذلك لأنها تتطلب هياكل قانونية عادلة يتم فرضها بشكل نزيه.
  • الشفافية : وذلك بأن عملية اتخاذ القرارات قم تنفيذها يتم عبر تطبيق أساليب لا تخالف لوائح وتعليمات القوانين والأنظمة المرعية، والإفصاح الدوري عن المعلومات التي تهم الأطراف المعنية عبر أجهزة الإعلام المختلفة الرسمية.
  • سرعة التجاوب : تستجيب الحوكمة لمتطلبات كافة الأطراف في أطر زمنية دقيقة ومحددة، مما يعزز سرعة الإنجاز.
  • التوافق : يأتي دور الحوكمة عندما تتفاوت وجهات النظر بين الأفراد والأقسام المختلفة نتيجة عوامل متعددة، بحيث أن الحوكمة تتعامل بوسطية ودون انحياز مع مختلف المصالح، ويبنى عليها توافق مع الفئات المختلفة.
  • الكفاءة والفعالية : توجه الحوكمة عمل المؤسسات بغرض تحقيق احتياجات المجتمع باستثمار أفضل الموارد المتاحة.

[1] اقتباس حرفي من : غضبان حسام الدين، مساهمة في اقتراح نموذج لحوكمة المؤسسات الاقتصادية الجزائرية، رسالة دكتوراه، ص 22