في زماننا هذا قد أساء كثير من الأزواج إلى أزواجهم، وذلك سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، وذلك بسبب الجهل بأحكام الدين والتخلي عن سنة وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن التقليد الأعمى للغرب في كثير من عاداتهم الفاسدة جلب سوء العشرة والمعاشرة فكثرت الخلافات الزوجية وتعقدت وتحولت من علاقة تكامل إلى علاقة ندية، ومن ثم فقد الأزواج نعمة المودة والرحمة والسكن.
وفيما يلي سنتناول أهم ما جاء من حقوق للزوجين في نظام الأحوال الشخصية الجديد:
أولاً: حقوق الزوجين المتبادلة وفق (المادة 42)
1) حسن المعاشرة بين الزوجين بالمعروف، وتبادل الاحترام بينهما بما يؤدي للمودة والرحمة فيما بينهما.
لفظ المعاشرة بالمعروف بين الزوجين وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يشمل جميع جوانب الحياة الأسرية والتعاملات التي تقع بين الزوجين.
ومن نصوص القرآن التي دلت على حسن العشرة الزوجية قوله تعالى: ” وعاشروهن بالمعروف “.[1] وهو أمر صريح للأزواج أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف، والمعروف هنا المقصود به أن يؤدي إليها حقها من المهر والنفقة، وغيرها، وكذلك أن يبتعد عن أذيتها بالكلام الغليظ، وتجاهلها بتعمد وإظهار الميل إلى غيرها أو خيانتها، والعبوس في وجهها دون ذنب.
وقد أكد ابن كثير ذلك في تفسيره حيث قال: ” طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحبون ذلك منهن، فافعلوا أنتم بهن مثله “. فيصبح بذلك كل من الزوج والزوجة سبباً في هناء وسرور الطرف الآخر.
وقال تعالى أيضاً: ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”[2] فتحقيق المودة والرحمة هو طريق الحصول على السكينة، المودة تعني الحب والعطف التي تخفف التوتر وترتقي بالعلاقة لإشباع الغرائز العاطفية والنفسية ومن ثم الجسدية، وهذا لا يحدث إذا كان هناك تجاهل أو عدم مراعاة في اختيار الألفاظ أو الأسلوب.
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء في أحاديث كثيرة منها ما جاء بالتوصية بالصبر على اعوجاج أخلاق النساء بحيث بين أن ذلك مما فطرت عليه النسوة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا”.[3]
ويُمكن اختصاراً وضع بعض النقاط التي تمثل المعاشرة بالمعروف والود واللطف والمودة والرحمة:
- التماس الأعذار وقبول الأسف والتراضي وسرعة الصفاء بعد الغضب.
- تفهم أنه لا يوجد شخص كامل وإنما نتغافل ونتقبل النقص الظاهر أو الخفي.
- رعاية الزوجة في المرض.
- عدم تخوين الزوجة وطلب عثراتها.
- استرضاء الزوجة ولو بالكذب العابر.
- المشاركة في العبادات.
- المشاركة الوجدانية.
- التصريح بالحب.
- التشجيع والثناء.
- الحديث والنقاش والتفاهم بين الزوجين وقبول الاختلاف.
- تقبل الغضب والغيرة والتماس العذر في ذلك والاعتذار على ذلك.
- العدل في المعاملة.
- حسن معاشرة الزوجة حتى في أوقات الشقاق.
- حسن معاشرة الزوجة حالة النشور.
وغيرها من صور وأشكال حسن المعاشرة..
2) عدم إضرار أحدهما بالآخر مادياً أو معنوياً.
ويعني ذلك ألا يتأخر الزوج في الإنفاق على زوجته أو لا يكفي لها احتياجاتها المادية وألا تستغل الزوجة مال زوجها للإضرار به فتنفق فوق ما يستطيع أو فوق سعته فترهقه مادياً، وأما الضرر المعنوي فهو يعني الضرر الحسي أو النفسي الذي يؤثر في الحالة المزاجية ويعكر صفو العلاقة ويفقدها احترمها.
3) عدم امتناع أحد الزوجين عن المعاشرة الزوجية أو الإنجاب إلا بموافقة الطرف الآخر.
ويعني ذلك أنه لا يحق للزوج أن يمتنع عن معاشرة زوجته أو العلاقة الحميمية بينهما دون موافقتها لأسباب مشروعة كسفر قصير أو وجود تعب أو مرض يحول دون إكمال العلاقة، والمرأة كذلك، والجدير بالذكر أنه لا يحق للزوج ترك زوجته دون علاقة بسبب سفر مدة تتجاوز أربعة أشهر، وبالإضافة لذلك فلا يحق للزوجة أن تتخذ قرار تأجيل الإنجاب أو تسويفه أو الامتناع عنه دون علم وموافقة زوجها، وكذلك الزوج لا يحق له أن يتخذ ذلك القرار دون موافقة الزوجة نظراً لأن القرار هنا لا يكون شخصياً ولكنه مشترك لوجود مصلحة مشتركة وما شرع الزواج في البداية إلا لإنتاج أسرة ولهذا لا يُمكن أن يستأثر بهذا القرار أحد على الآخر.
4) السكن في بيت الزوجية بمبيت الزوج فيه، وبقاء الزوجة معه.
وذلك تطبيقاً لقوله تعالى: ” أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم “.[4] فيجب أن يكون هذا المسكن لائق من حيث الحالة الاجتماعية لكلاً من الزوج والزوجة، ويكون هو المنزل المعد لمبيت الزوج فيه ما استطاع إذا أكمل عمله وذهب إليه وذلك بحسب العادة، وما يشذ عن ذلك من سفر أو انشغال فإنه استثناء، ويتعين بقاء الزوجة معه في هذا المنزل.
5) المحافظة على مصلحة الأسرة، ورعاية الأولاد وحسن تربيتهم.
المحافظة على مصلحة الأسرة لها أوجه كثيره فهناك المصلحة المادية من توفير المأكل والملبس والمشرب وحاجيات المنزل الضرورية، بالإضافة لتوثيق الروابط، وتعليم الأطفال القرآن والثبات على العقيدة والصلاة والتدريب عليها والذهاب إلى المسجد والأدب بأنواعه والأخلاق عملياً لأن الدين هو المعاملة، وإشاعة الحب والرحمة بين الأبناء والعدل بينهم، وحل مشكلات الأسرة داخل الأسرة بالتفاهم والتغافل والود والرحمة والحكمة والموعظة الحسنة.
ومن واجبات الزوج أيضاً الإنفاق بالمعروف بلا بذج أو تبذير أو إمساك وبخل، وإنما بقدر الاحتياج والمطلوب، كما عليه أن يعدل بين زوجاته إن كان متزوجاً بأكثر من امرأة، والعدل هنا يكون في القسمة والنفقة الواجبة عليه.
كما أن على الزوجة واجب طاعة الزوج بالمعروف بما لا يخل بحقوقها أو يجعله يتمادى في حقوقه، كما أن عليها واجب إرضاع أولادها مالم يكن هناك عذر مرضي أو مانع يحول دون ذلك.
ثانياً: تساؤلات فيما ورد في (المادة 43)
1) متى يحق للزوجة الامتناع عن الدخول والانتقال إلى بيت الزوجية؟
يحق للزوجة ذلك حتى تقبض مهرها الحال، ويقوم الزوج بتهيئة المسكن المناسب لها، كما يكون لها الحق في النفقة خلال تلك الفترة.
2) ماذا إن رضيت الزوجة بالدخول قبل أن تقبض مهرها الحال؟
في تلك الحالة فإن المهر يبقى ديناً في ذمة الزوج، ويكون لها حق المطالبة به في التوقيت المناسب لها، ولا يكون لها أن تمتنع عن ذلك في حال أن هيأ لها المسكن الملائم.
[1] سورة النساء الآية 19
[2] سورة الروم الآية 21
[3] رواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، جزء 2، ص 1091، رقم 1468.
[4] سورة الطلاق الآية 6