أعطت الشريعة الإسلامية للرجل حق الطلاق بالإرادة المنفردة، كما أعطت للزوجة حق طلب التفريق بينها وبين زوجها إذا ما استحالت الحياة الزوجية وتعثرت بسبب زوجها، كعثرته بالنفقة عليها، أو غيبته، أو عيبه، أو مرضه، أو سوء عشرته، وغير ذلك مما اتفق عليه الفقهاء.

وعلى العكس نجد أن الشريعة المسيحية تقوم على مبدأ الزواج الأبدي، فمن غير المسموح أن يُطلق الرجل زوجته وفقاً لشريعتهم، كما ليس للمرأة أن تفارق زوجها وذلك عملاً بقول المسيح: ” فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان “. وهذا بالرغم من وجود تفاوت بين الطوائف المسيحية في اعتناق ذلك المبدأ فعلى سبيل المثال أجازت طائفة الأرثوذكس انحلال الزواج في عدد من الحالات.

وفي الشريعة اليهودية نجد أن طائفة الربانيين يجيزون الطلاق لأي سبب مهما كان تافهاً، وعلى العكس طائفة القرآنيين تتشدد في هذه الأسباب.

وبعد استقراء وتمحيص، نجد أن الشريعة الإسلامية كانت مثالية وكاملة عن الشريعتين اليهودية والمسيحية فيما يتعلق بالفرقة بين الزوجين، بحيث نجد أن الشريعة الإسلامية قد توسعت دون غيرها من الشرائع في بيان الأسباب المسوغة للفرقة سواء بالطلاق أو بالفسخ أو بالخلع أو غيرها، فقد كانت الشريعة الإسلامية حريصة على جلب المصلحة ودفع الضرر ورفع الحرج والتيسير على الناس ورفع الضيق والشقاء عنهم.

وسوف نتناول فيما يلي أهم الأحكام المتعلقة بالفرقة بين الزوجين والتي وردت في الباب الثالث من نظام الأحوال الشخصية:

1 – ما هي حالات الفرقة بين الزوجين؟

  • الطلاق.
  • الخلع.
  • فسخ عقد الزواج.
  • وفاة أحد الزوجين.
  • اللعان بين الزوجين.

2 – ما هو تعريف الطلاق بحسب النظام؟

عرف نظام الأحوال الشخصية الطلاق بأنه: حل عقد الزواج بإرادة الزوج باللفظ الدال عليه.

3 – ما هي أنواع الألفاظ الدالة على الطلاق؟

قد يكون اللفظ الدال على الطلاق صريحاً، وهو لفظ الطلاق أو الألفاظ المتصرفة منه، كطلقتك، وطالق، ومطلقة.

فالطلاق الصريح هو اللفظ الذي لا يحتمل غير الطلاق.

وقد يكون اللفظ الدال على الطلاق كناية، وهو اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغير الطلاق، ويدل على معنى الطلاق الصريح إذا نوى به الزوج الطلاق، وهو نوعان كناية ظاهرة وكناية خفية.

4 – ما هي صور وقوع الطلاق؟

قد يكون الطلاق إما:

  • بالنطق.
  • أو بالكتابة.
  • وعند العجز عن النطق أو الكتابة فبالإشارة المفهومة.

5- ما هي الحالات التي لا يقع فيها الطلاق؟

الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هي ما يلي:

  • طلاق غير العاقل أو غير المختار.
  • طلاق من زال عقله اختياراً ولو بمحرم.
  • طلاق من اشتد غضبه حتى حال بينه وبين تحكمه في ألفاظه.

وذلك لأنه في حالة الغضب الشديد الذي يجعله لا يدرك ولا يعي ولا يُدرك ما يُصدر عنه من الأقوال، وهو ما جرى تسميته عند الفقهاء بالإغلاق، وذلك لأن الإنسان في تلك الحالة يكون كالذي أُغلق على عقله فلم يُبصر ألفاظه.

  • إذا كانت الزوجة في حال حيض، أو نفاس، أو طهر جامعها زوجها فيه، وكان الزوج يعلم بحالها.
  • لا يقع الطلاق بالحنث بيمين الطلاق أو الحرام إلا إن قُصد منه الطلاق.

ويُفهم من ذلك أن قول ” عليا الطلاق ” أو ” عليا الحرام ” لا توقع الطلاق إلا إن قُصد منها الطلاق بحسب نية القائل.

6 – هل قول: ” طالق طالق طالق ” في وقت واحد له أثر في تعدد إيقاع الطلاق؟

النظام حدد أن إيقاعه الطلاق وتكراره ليس له أثر في تعدد إيقاع الطلاق وإنما تُعتبر طلقه واحدة.

7 – هل يصح التوكيل في الطلاق؟

نعم يصح للزوج أن يوكل غيره بالتطليق، وسواء أكان هذا الغير ذكراً أو أنثى.

وفي حال أن وثق الوكيل الوقوع في الطلاق، ثم ادعى الزوج الرجوع عن الوكالة الموثقة فقوله حينها لا يُقبل، إلا إذا وثق الزوج رجوعه قبل وقوع الطلاق.

8 – ما هي أنواع الطلاق؟

هناك نوعين من الطلاق:

الأول: طلاق رجعي لا ينهي عقد الزواج إلا بانقضاء المدة.

والأصل في الطلاق أن يكون رجعياً، وذلك ليتدارك المطلق أمره فلعله يندم على فعله فيراجع زوجته ما دامت في العدة، والدليل على ذلك أن الله لم يذكر الطلاق في القرآن الكريم إلا وذكره مقروناً بالرجعة إلا في حالات خاصة. والطلاق الرجعي هو ما كان بعد وطء وليس بعد الطلقة الثالثة بلا خلاف بين الفقهاء. فإذا طلق الزوج زوجته فله حق مراجعتها إلى عصمته ما دامت في العدة لأنها لا تزال زوجته، وتتم الرجعة بكل قول يدل على استئناف الحياة الزوجية كقوله راجعتك أو غير ذلك من ألفاظ.[1] والجدير بالإشارة أن حق المراجعة لا يسقط بالتنازل عنه. كما أن المراجعة لا تصح إلا إذا كنت منجزة، غير معلقة على شرط أو مضافة إلى المستقبل.

وبحسب (المادة 86) فكل طلاق في الزواج الصحيح يُمكن اعتباره طلاقاً رجعياً باستثناء:

  • الطلاق المكمل للثلاث، الذي تبين له المرأة بينونة كبرى.
  • والطلاق قبل الدخول أو الخلوة، تبين به المرأة بينونة صغرى.

والثاني: طلاق بائن ينهي عقد الزواج حين وقوعه، وينقسم إلى قسمين:

  • طلاق بائن بينونة صغرى: وهو الطلاق الذي يملك الزوج إعادة زوجته بعقد ومهر جديدين، وبغير ذلك لا تحل المطلقة له، وذلك مع احتساب الطلقات السابقة.
  • طلاق بائن بينونة كبرى: وهو الطلاق المكمل للثلاث، أو الطلقة الثالثة، فهو طلاق تبين به الزوجة بينونة يُصبح من غير الممكن بها من مراجعتها كما في الطلاق الرجعي، أو من إعادتها كما في البينونة الصغرى. فالمطلقة لا تحل بعدة لمطلقها إلا بعد انقضاء عدتها من زوج آخر تزوجته، أو دخل بها من زواج صحيح لا يكون الغرض منه التحليل.

9 – ما هي صور المراجعة التي يُمكن اعتبارها صحيحة؟

تجوز المراجعة بما يلي:

  • اللفظ الصريح نطقاً أو كتابة.
  • الإشارة المفهومة في حال العجز عن النطق أو الكتابة.
  • الجماع في فترة العدة.

10 – هل يتعين على الزوج توثيق الطلاق؟

بما لا يخل بحق الزوجة في إقامة دعوى إثبات الطلاق، فإنه يتعين على الزوج أن يوثق الطلاق أمام الجهات المختصة وألا يتراخى في ذلك، فإن مر أكثر من 15 يوماً من حين البينونة ولم يوثق الطلاق ولم تعلم المرأة بطلاقه لها، فمن حقها تعويض لا يقل عن الحد الأدنى لمقدار المنفقة من تاريخ وقوع الطلاق حتى تاريخ علمها به. والجدير بالذكر أن قول الزوجة في دعوى الطلاق لا يُقبل إلا ببينة، وإن لم يكن لها بينة حلف الزوج وذلك لقول النبي صلى الله على وسلم: ” اليمين على المدعى عليه “.

11- هل يستوجب على الزوج في الطلاق الرجعي توثيق المراجعة؟

نعم يتعين على الزوج في الطلاق الرجعي توثيق المراجعة، وفقاً لما تنظمه الإجراءات وذلك خلال مدة لا تتجاوز 15 يوماً من تاريخ المراجعة إذا كان قد وثق الطلاق.

ولا تصح المرجعة إذا لم يوثق الزوج المراجعة وفق ما سبق بيانه، وذلك إذا لم تعلم بها المرأة ثم تزوجت بآخر.

واستثناءً على ما ورد في (المادة 52) من النظام فإذا لم يوثق الزوج المراجعة ولم تعلم بها المرأة فلها أن تطالب بالنفقة عن المدة السابقة.

12 – ما هو تعريف الخلع وفقاً لنظام الأحوال الشخصية؟

وفقاً للنظام فالخُلع هو فراق بين الزوجين بطلب الزوجة وموافقة الزوج مقابل عوض تبذله الزوجة أو غيرها.

فالمرأة إذا كرهت زوجها لعلة في خلقه أو دينه أو خلقته أو لضعفه الجسدي أو لكبره وغير ذلك من أسباب النفور، وترتب على ذلك خوفها من تقصر في أداء حق الله تعالى في طاعته، فيجوز لها أن تخالفه بعوض تفتدي به نفسها.

والحديث الذي هو أصل الخُلع في الإسلام ما جاء في رواية عكرمة عن ابن عباس قال: أول ما خالع في الإسلام: أخت عبد الله ابن أبي، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً، أني رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدة، إذا هو أشدهم سواداً، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً، فقال: (أتردين عليه حديقته؟) قالت: نعم، وإن شاء زدته، ففرق بينهما.[2]

13 – هل يحتاج الخلع بالضرورة إلى حكماً قضائياً؟

لا يحتاج الخُلع إلى حكم قضائي إذا تراضى الزوجين كاملي الأهلية على إنهاء عقد الزواج.

وللزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخُلع، فإن لم يتراضيا عليه أقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالصت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها وحكمت المحكمة عليه بتطليقها.[3]

14 – ما هي حالات وقوع الخُلع؟

بحسب نص (المادة 97): يقع الخلع بأي لفظ دل على الفرقة بالنطق أو بالكتابة وعند العجز عنهما فبالإشارة المفهومة، ويُعد فسخاً لعقد الزواج ولو كان بلفظ الطلاق، ويكون فرقة بائنة بينونة صغرى، ولا يُحسب من التطليقات الثلاث.

15 – هل يختلف حُكم الخُلع باختلاف الحال التي تكون عليها الزوجة؟

لا يختلف حُكم الخُلع باختلاف الحال التي تكون عليها الزوجة، فيقع في حال حيضها، كما يقع في حال نفاسها، أو الطهر الذي جامعها زوجها فيه.

16 – هل العوض ضروري في الخُلع؟

الخُلع بغير عوض لا يُعد خُلعاً، وتُطبق عليه أحكام الطلاق، فخلع الزوج زوجته بلا عوض لا يُمكن اعتباره خلعاً.

كما أن كل ما صح اعتباره مالاً فإنه يصح بالضرورة أن يكون عوضاً بالخلع، وإسقاط أي حق من حقوق الأولاد أو حضانتهم لا يجوز اعتباره عوضاً.

وفي حال أن الاتفاق على كون المهر هو عوض الخلع فحينها يُقتصر على تسليم ما تم قبضه من المهر، أما ما بقي منه فيسقط حتى إن كان مؤجلاً.

17 – على من تقع مسؤولية توثيق الخلع؟

أجاز النظام للزوجين أو لأحدهما توثيق الخلع وفق ما قرره القانون من إجراءات فيما يتعلق بذلك، كما أن من حق كل من له مصلحة أن يطلب إثبات الخُلع بأي وسيلة مناسبة من وسائل الإثبات المختلفة.

[1] اقتباس حرفي من دكتور عبد الرحمن الصابوني، أحكام الطلاق في الفقه الإسلامي، ص 35 و 36
[2] القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن الكريم (تفسير القرطبي)، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1967، ص 54
[3] منال محمود حسن المشني، أحكام الخُلع وآثاره في قانون الأحوال الشخصية ( دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون)، ص 155