تحدثنا في الجزء الأول (انظر الجزء الأول ) عما ورد في باب الفرقة بين الزوجين فيما يتعلق بالطلاق والخُلع ولم يسعنا المقال للحديث عن الفسخ كأحد أسباب الفرقة، ولذا سيكون حديث مقالنا عن الفسخ القضائي.
بداية نود أن نقول إنه يجوز للمتضرر أن يلجأ للقضاء في حال أن ظهر لدى الرجل أو المرأة أمارات الشقاق والنزاع وذلك سواء بالقول كالشتم والسب أو باللعن، أو حتى بفعل كالضرب وباتت حياتهما لا تخلو من المشكلات، ومن المستحيل الإصلاح بينهما، بحيث ترتب على ما جرى بينهما أضراراً مادية أو معنوية أصابتهما الاثنين أو أحدهما دون الآخر، فحينها أجاز الشرع والنظام أن يلجأ المتضرر للقضاء مستغيثاً طالباً التفريق بينه وبين زوجه.
وفيما يلي سنتناول أهم ما ورد من أحكام في الفصل الرابع من الباب الثالث من نظام الأحوال الشخصية والمتعلق بفسخ عقد الزواج:
1 – ما هو تعريف الفسخ القضائي لعقد الزواج؟
من المتقرر عند الفقهاء أن فسخ النكاح لا يكون إلا بحكم قاضي، كما أن المستقر عليه فقهاً أن الفقرة الحاصلة بسبب العيب يترتب عليها فسخاً يحصل به البينونة الصغرى، ولا يتم احتسابه من عدد الطلقات الثلاث، وهو مذهب السادة الحنابلة والشافعية، وهو ما نص نظام الأحوال الشخصية عليه.
وفي تعريف فسخ عقد الزواج نجد أن معظم قوانين الأحوال الشخصية العربية لم تحدد تعريفاً واضحاً لفسخ عقد الزواج ما عدا القانونين القطري والكويتي، وربما سبب إحجام القوانين أو الأنظمة العربية يرجع لتنوع وتعدد أسباب فسخ عقد الزواج، بحيث أنه من المتعذر أن يتم ضبطها جميعاً في تعريف جامع مانع.[1]
ونذكر تعريف القانون القطري على سبيل الاستشهاد لا على سبيل صواب التعريف أو دقته بحيث نجد أنه عرف فسخ عقد الزواج بأنه: نقض عقد الزواج لخلل صاحب نشوؤه أو عارض طارئ مانع لبقائه.
2 – من يحق له طلب فسخ عقد الزواج؟
يحق لكل واحد من الزوجين فسخ عقد الزواج لعيب يراه في الطرف الآخر، أو لعلة مضرة، أو منفرة تحول دون إتمام المعاشرة، ويستوي في ذلك أن تكون العلة موجودة قبل عقد الزواج أو طرئت بعده، وذلك ما لم يكن طالب الفسخ – الزوج أو الزوجة – عالماً بموجد العلة قبل إبرام العقد أو علم بها بعد إتمام التعاقد، ولم يتخذ موقفاً حينها يدل على إعراضه عن التعاقد بسبب هذا العيب وإنما على العكس صدر منه ما يدل على الرضا سواء بالقول أو بالفعل.
وللمحكمة سلطة الرجوع لأهل الخبرة في معرفة العلة وتقديرها، فقد اتفق علماء الإسلام في جواز الرجوع لأهل الخبرة في مسائل العيوب في النكاح، فطالما كانت العيوب غير منحصرة فالقاضي حينها سيحتاج لأهل الخبرة في التحقق من وجود العيب ومدى تأثيره على تمام المعاشرة أو القدر الذي يُحدثه من النفور أو مدى إلحاق هذا العيب بالضرر.
وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت: ستة أو أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا.
وكان فعل عمر رضى الله عنه دليل على مشروعية الرجوع لذوي الخبرة وأمر الاختصاص حتى في إثبات العيب، ونجد أن الفقهاء قد ذكروا طُرقا متعددة للوقوف على عيوب النكاح، ومنها شهادة النساء على بكارة المرأة وذلك إذا ادعى الزوج الوطء وقالت المرأة أنها عذراء.
أما القضاء المعاصر فيعتمد بحسب الغالب على الفحوص الطيبة للتأكد من العيوب التي ادعي وجودها وذلك في حال أن تم نفيها، ومن هذه الفحوص: فحص المني، وتحليل الدم، والفحص الداخلي للمرأة، والفحص بالأشعة.
فعلى سبيل المقال إن ادعي أحد الزوجين مرض الزوج الآخر بالإيدز أو مرض من الأمراض الوراثية المتعارف عليها، فإن التحليل المخبري تبين منه ويتضح صحة هذا الادعاء من بطلانه، كما أن تحليل الدم يتبين منه ما طرأ على الشخص من الأمراض المختلفة.
3- ما هي تقريرات المحكمة في حال أن تم فسخ عقد الزواج لعلة في أحد الزوجين؟
هناك أربع تقريرات في ذلك نتيجة لأربع حالات سنوضحها فيما يلي:
الأول: إذا تبين للمحكمة أن العلة حدثت في الزوج أو الزوجة قبل الدخول، فحينها لا يكون للزوج الحق في استرداد ما دفعه من مهر.
الثاني: إذا اتضح للمحكمة أن العلة كانت موجودة في الزوج أو الزوجة قبل العقد وكان الفسخ قبل الدخول أو الخلوة، فحينها تأمر المحكمة أن يسترد الزوج ما دفعه من مهر، ويسقط ما بقي منه ولو كان مؤجلاً.
الثالث: إذا استوثقت المحكمة من أن العلة في الزوج كانت سابقة للعقد، وكان الفسخ قبل الدخول أو الخلوة، حينها تأمر المحكمة أن يكون المهر للزوجة.
الرابع: في حال أن وضح للمحكمة أن العلة في الزوجة كانت سابقة على العقد وكان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة، فتقضي المحكمة بأحقية الزوجة في المهر، مع أحقية الزوج في الرجوع بالمهر على من غره.
4 – ما هي الحالات التي تفسخ فيها المحكمة عقد الزواج؟
الحالة الأولى: للمحكمة سلطة فسخ عقد زواج الزوجة التي لم يتم الدخول بها وذلك بناء على رغبتها أو طلبها، وذلك إذا لم يؤدي الزوج مهر الزوجة الحال إذا انتهى الأجل الذي حددته المحكمة لأداء المهر ولم يؤده، والجدير بالذكر أن الحد الأقصى للأجل هو ثلاثين يوماً من تاريخ الطلب.
الحالة الثانية: بناء على طلب الزوجة فإن المحكمة تفسخ عقد الزواج في حال أن رفض زوجها عن الإنفاق عليها، أو كان من الصعب الحصول على النفقة منه.
الحالة الثالثة: بناء على طلب الزوجة فإن للمحكمة سلطة فسخ عقد الزواج في حال أن ادعى الزوج إعساره بنفقة زوجته الواجبة عليه، حتى وإن كانت لديها علم بذلك قبل عقد الزواج، ومن حقها أو تطلب الفسخ الفوري أو أن تتراخى في طلب الفسخ.
الحالة الرابعة: للزوجة الحق في أن تطلب فسخ عقد الزواج وتمكنها المحكمة من ذلك، في حال إن أضر الزوج بها ضرراً يكون من المستبعد معه دوام العشرة بالمعروف، ويتحقق ذلك إذا ثبت أمام المحكمة وقوع الضرر بكافة طُرق الإثبات.
الحالة الخامسة: في حال أن طلبت الزوجة فسخ عقد الزواج قبل الدخول أو الخلوة فالمحكمة تحكم لها بالفسخ، وذلك إذا رفض الزوج أن يطلقها أو يخلعها، بعد أن أعادت له ما تحصلت عليه من مهر، وبعد أن بائت محاولات الإصلاح بينهما بالفشل.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان طلب الفسخ من الزوجة قبل الدخول أو الخلوة يرجع لسبب متعلق بها، لا بسبب يعيب الزوج، فتكون ملزمة بما يلي:
- إعادة المهر.
- إعادة ما أنفقه الزوج وفق طلباتها من أجل الزواج منها.
وذلك مرده لإرادة الزوج فإن طلب ذلك فيتيعن عليها الالتزام بالرد والإعادة، وإن لم يطلب فيظل المهر وما أنفقه في حوزتها أو ملكها.
الحالة السادسة: للمحكمة سلطة فسخ عقد الزواج إذا طلبت الزوجة ذلك في حال أن ألقى الزوج يمينه حالفاً ألا يجامعها مدة تتخطى أربعة أشهر، وهذا ما لم يرجع عن يمينه قبل انقضاء الأشهر الأربعة.
الحالة السابعة: للمحكمة أن تحكم بفسخ عقد الزواج بناء على طلب من الزوجة في حال أن امتنع الزوج عن جماعها مدة تتخطى أربعة أشهر بلا عذر مشروع.
الحالة الثامنة: للمحكمة فسخ عقد الزواج بناء على طلب الزوجة إذا فقدت زوجها أو بسبب غيابه في محل إقامة أو موطن مجهول، وللمحكمة سلطة تقديرية بناء على حال كل قضية وما تراه مناسباً وفق ظروف وملابسات القضية إلا تحكم بفسخ العقد إلا بعد مرور مدة زمنية تحددها، وحدود السلطة التقديرية هي سنة كحد أدنى وسنتين كحد أقصى من تاريخ فقده أو غيبته.
الحالة التاسعة: للزوجة حق طلب فسخ عقد الزواج إذا غاب زوجها عنها حتى وإن كان له موطن معلوم أو محل إقامة معروف، وذلك في حال أن غاب عنها مدة أربعة أشهر أو أكثر حتى وإن ترك مالاً لها يُمكنها من خلاله الإنفاق على نفسها أو أبنائها، ولكن لا تصدر المحكمة حكماً لصالحها بذلك إلا بعد أن تُنذر زوجها بما يلي:
- أن ينتقل للإقامة مع زوجته.
- أن ينقل زوجته إليه.
- أن يُطلق زوجته.
والجدير بالذكر أن الغيبة بسبب العمل لا ينطبق عليها ما سبق، كما أن الأجل الممنوح للزوج بعد الإنذار هو مائة وثمانين يوماً كحد أقصى.
5 – هل عدم أداء الزوج لمهر زوجته التي دخل بها سبباً مشروعاً لفسخ عقد الزواج؟
عقد الزواج لا يُفسخ إذا لم يؤدي الزوج مهر زوجته التي دخل بها، وإنما يظل ديناً في ذمته، والمهر الحال يُحكم به عند مطالبة الزوجة به.
6 – ما هي الحالة التي تستدعي المحكمة من خلالها حكمين من أهل الزوج والزوجة أو من غير أهليهما؟
في حال لم تُثبت الزوجة وقوع ضرر عليها يؤثر في استمرار العشرة، ومن ثم استمر الشقاق وعدم الألفة بين الزوجين، وفشل الإصلاح، فالخطوة التي تسبق تعيين المحكمة حكمين هي أن تعطي المحكمة لكل من الزوج والزوجة حرية وحق اختيار حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة خلال أجل معين للمحكمة سلطة في تقديره، فإن فشلا في ذلك فللمحكمة سلطة تعيين حكمين إما من أهل الزوج أو الزوجة أو من غير أهليهما بحسب تقتضي به ظروف وملابسات وواقع القضية.
والجدير بالعلم أن المدة الممنوحة نظاماً للمحكمين يجب ألا تتجاوز ستين يوماً من تاريخ تعيينهما.
7 – ما هي السلطات المخولة للحكمين بحسب النظام؟
بالإضافة إلى مهمتهما في إزالة أسباب الشقاق والخلاف ووضع نقاط اتصال بين الزوجين، إلا أنهما في حال أن عجزا عن الإصلاح فبإمكانهما أن يقررا ما يلي:
- التفريق بين الزوجين بعوض أو بدون عوض.
- تقديم تقرير استشاري إلى المحكمة بمرتبة ذوي الخبرة، فيه خلاصة جهودهما والعقيدة التي توصلا إليها مع الأسانيد على رجحانها.
[1] د. تهاني معيض عويد، فسخ عقد النكاح وأحكامه والآثار المترتبة عليه ” دراسة مقارنة”، ص 229